الرئيسية / تقنية / بيوت مطبوعة بطابعة ثلاثية الابعاد

بيوت مطبوعة بطابعة ثلاثية الابعاد

ترجمة : حسام زيدان
تدقيق : ريام عبسى
تصميم الصورة : حسام زيدان

(أفق لعمارة جديدة وامكانيات لاستيطان الكواكب)

على ما يبدو فإن الطابعة الثلاثية الابعاد تنوي تغيير العمارة: باستخدام مواد بناء سريعة الجفاف، يطبع الروبوت مبنى بأكمله تقريباً بين عشية وضحاها. وربما حتى على المريخ.
طول الطابعة تقريباً ستة أمتار ولها مساحة طباعة حوالي 350 متر مربع. يتكون ما يعرف بمعجون الطباعة من بقايا ونفايات البناء السريعة الجفاف وبمساعدة منفث للضخ يتم بناء العنصر على شكل طبقات واحدة فوق الأخرى حتى يكتمل. في الصين تم فعلياً بناء فيلا مكونة من طابقين وبمساحة سكن 1100 متر مربع.
وقال ما ييه (Ma Yihe)، مدير شركة وينسون (WinSun)، والذي كان مسؤولاً عن أعمال البناء، إنه كان يتعين على العمال، خلال عملية بناء بيت تقليدي من الحجر، أن يقطّعوا كتل الأحجار بمشقة كبيرةٍ وجلبها إلى موقع البناء. أما ما يحدث في عملية البناء باستخدام الطابعة الثلاثية الابعاد فعلى النقيض من ذلك تماماً، فهنا يتم اساساً استخدام النفايات وهذا ما يؤدي الى تقليل كمية مواد البناء والوقت اللازم الى حوالي 60% وبذلك تخفيض للكلفة بشكل ملحوظ.
مبدأ عمل الطابعة الثلاثية الابعاد التي تقوم بطباعة المباني هو ذات المبدأ المستخدم للطباعة بالأحجام الصغيرة. خلال العملية المعروفة بعملية البناء بواسطة تجميع الطبقات، يتم تجميع طبقة فوق الأخرى على شكل رفوف باستخدام منفث لضخ المواد والتي تجف وتتصلب فيما بعد لتشكل مبنى صلب. المواد الخام المستخدمة هي في العادة عبارة عن مسحوق والذي يتم تسخينه او معالجتهِ كيميائياً ومن ثُم تشكليه على شكل طبقات.
شقق سكنية مطبوعة

تعتبر عملية البناء بواسطة الطبقات طريقة ذات افاق متعددة الجوانب بشكل كبير. كل ما يمكن تصميمه باستخدام الحاسوب يمكن في نهاية المطاف أن يتحول الى عنصر مطبوع. علاوة على ذلك فأن هذا العملية تعتبر كفؤة من ناحية المصادر والمواد الخام التي تحتاجها. وبالمقارنة مع طرق التصنيع التي يتم فيها إزالة أجزاء كبيرة من مادة التصنيع للحصول على الشكل او العنصر المرغوب به، فأن الطابعة الثلاثية الابعاد توفر 50% الى 95% من المادة الخام. حيث أن خلال عملية البناء بواسطة تجميع الطبقات يتم فعلياً استخدام المادة الضرورية فقط في البناء.
استثمرت الحكومة السنغافورية في الآونة الأخيرة 150 مليون يورو في مركز بحوث من المخطط أن يتم فيه اجراء بحوث عن عملية بناء الجسور والمباني بواسطة عملية الطباعة الثلاثية الابعاد. هدف مركز سنغافورة للطباعة الثلاثية الابعاد (Singapore Centre for 3D Printing) هي بناء احياء تتكون من شقق سكنية. وكما يقول تشوا تشي كاي (Chua Chee Kai)، المدير التنفيذي للمركز، تتمحور الفكرة في طباعة أجزاء منفصلة من المبنى ومن ثُم نقلها وتركيبها مع بعضها، تماماً كقطع المكعبات. عملية التجميع هذه تعرف بـ „Prefabricated Pre-Finished Volumetric Construction” وقد تم العمل بها فعلياً لأكثر من مرة بنجاح. في الوقت الحالي يعتبر هذا الحي في طور التخطيط ومن المتوقع أن يتم عقد حفل الافتتاح خلال ثلاثة سنوات.
عمل الطابعة الثلاثية الابعاد(3D)
تقوم الطابعة الثلاثية الابعاد التجارية بتذويب سلك من البلاستك والذي يتم توفيره بشكل مستمر للطابعة ومن ثُم تقوم بضخهِ طبقة فوق الأخرى في المكان المطلوب.
وفي هذا الصدد ايضاً وبما يتعلق بطباعة الأبنية تُذكَر شركات البناء في دبي. فهناك تم بالفعل في آذار 2016 عرض وتقديم لأول مبنى لمكاتب مستخدمة بالفعل تم طباعتها كاملاً بتقنية الطباعة الثلاثية الابعاد. باستثناء التصميم الداخلي والنظام الكهربائي، تم إنتاجه بالكامل من خليط أسمنتي قابل للطباعة. ويبلغ إجمالي وقت البناء للمبنى الذي تبلغ مساحته 250 متراً مربعا أقل من ثلاثة أسابيع. أيضا خلال عملية الطباعة هذه تم طباعة أجزاء متفرقة لوحدها ومن ثُم تجميعها كقطع المكعبات (الليغو).
بحسب وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) وناسا (NASA)، فأن الفوائد الاقتصادية لهذه العملية لا تقتصر على الأرض فقط. فمن يسعى لتأسيس محطة ثابتة على القمر او على المريخ، فهو تبعاً لذلك بحاجة الى ابنية لرواد الفضاء. ولتحقيق هذا الهدف، يجب أن يتم تحميل كافة المكونات والمواد في صواريخ وتؤخذ هناك ومن ثم تجميعها بطريقة معقدة ومكلفة. هذا الهدف سيستنزف مبالغ ضخمة من المال بالإضافة للكثير من الوقت، علاوة على ذلك، فأنه ليس من الواضح تماماً فيما إذا كان تحقيق هكذا مشروع ممكن اساساً.
الطابعة الثلاثية الابعاد واستيطان القمر
وهكذا دخلت كل من وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة ناسا في مجال الطباعة الثلاثية الأبعاد للمباني بمشاريع بحثية خاصة بها. ويقول المدير العام لمحطة الفضاء الاوروبية جون ديترش فورنه (Johann-Dietrich Wörner) بأن امالنا تتمثل في بناء قرية على سطح القمر بتقنية الطباعة الثلاثية الابعاد. في بادئ الامر سيتم طبعاً إعطاء الأولوية لمواد البناء والمواد الغذائية. يقول سكوت هوفلاند (Scott Hovland)، من فريق رحلة الفضاء البشرية التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، أن الطباعة الثلاثية الأبعاد هي وسيلة محتملة لتقليل الخدمات اللوجستية اللازمة من الأرض وتسهيل استيطان القمر: “يمكن للإمكانيات الجديدة التي يتيحها هذا المشروع أن تُستَغَل من قِبل وكالات الفضاء الدولية في إطار تطوير استراتيجية مشتركة لاستكشاف الفضاء.”
يقول اينريكو ديني (Enrico Dini)، مؤسس مونولايت (Monolite)-الشركة المسؤولة عن بناء وتطوير طابعة لمحطة الفضاء الأوروبية، إن الشرط الجوهري لاستخدام هذا التقنية على القمر هو استخدام مواد بناء متاحة على سطحهِ. المكون الرئيسي “للحبر” سيكون عبارة عن الغبار الصخري المتوفر بكيمات كبيرة على القمر والمسمى بـ (Mondregolith). وبحسب دْيني فأن هذا الغبار سيتم مزجه مع أوكسيد المغنيسيوم: “نحن نقوم بصناعة الحبر من خلال إضافة مركب ملحي للغبار الصخري والذي يحوّل المادة الى هيكلٍ ذي قوامٍ صلب”. الطابعة نفسها لديها مجموعة متنقلة من فوهات الطباعة والتي تتواجد في مساحة ستة أمتار وفي الوقت الراهن فأنها تبني ما يقارب المترين خلال الساعة الواحدة ومن المفترض أن ينجح الجيل القادم منها في بناء 3.5 متر.
يقول دْيني: “نتيجة مفيدة أخرى كانت اكتشاف مصدر لغبار صخري اصطناعي شبيه بنظيرهِ على القمر في اوروبا. الصخور البازلتية من البركان الرئيسي في بحيرة بولزينا في وسط إيطاليا تتشابه بنسبة 99.8 % مع تربة القمر”. ولكن هذا التشابه لا يعتبر بديهي وبسيط، بل يتوجب صناعة نموذج مشابه لتربة القمر والتي تعتبر عملية غاية في الكلفة.
قبل الشروع في استخدام الطابعة الثلاثية الابعاد على القمر، يتوجب اولاً حل بعض المشكلات. تتم عملية الطباعة الحالية بأفضل صورها عند درجة حرارة الغرفة، أما على القمر فتتراوح هناك درجة الحرارة ما بين 160 الى 130 درجة مئوية. بالإضافة إلى ذلك، فإنه لا يزال من الضروري توضيح كيف يمكن تنفيذ هذه العملية في فراغ أو في جو رقيق جداً، حيث أن السوائل، كالتي تستخدم كحبر لتشكيل المادة، تتبخر بسرعة كبيرة في مثل هذه البيئة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن نقل وإمداد مواد الطباعة اللازمة يواجه بعدة صعوبات. الطابعات الثلاثية الابعاد تكون عادةً عبارة عن مجموعة أجزاء مركبة مع بعضها البعض بشكلٍ ثابت والتي يتم تزويدها بمادة الطباعة من خلال مدخل معين. في آخر الأمر يتم اخراج الجزء المطبوع وتركيبه في مكانهِ الصحيح. كل ذلك يتم إنجازه من قبل بعض الأشخاص المتخصصين، وبالتالي فجهد بشري من هذا النوع على سطح القمر أو على المريخ سيكون على المدى الطويل مكلف وشاق جداً.
الصعوبات ما تزال موجودة
هذا يعني بأن هذه الطابعات يجب أن تملك القدرة على التنقل من جهة ومن جهة أخرى يتوجب أن تملك الآلية اللازمة التي تعينها على جمع الغبار فوق سطح القمر وإمكانية الاستمرار بعد ذلك في معالجته ليصلح كمادة أولية للطباعة. هذا يقود لحاجة كبيرة لآلة ذات مرونة كبيرة. وعلى ضوء ما سبق، فأن ناسا مستمرة في البحث عن طرق وامكانيات لحل هذه المعضلات. حيث قامت في العام 2010 بعرض لإنسان آلي(روبوت) مهمتهِ اجراء البحوث على سطح القمر. الروبوت العنكبوت اثلايت (Athlete) يمتلك ستة أرجل حرة الحركة والتي تنتهي كل منها بعجلة.
قطع واجزاء البناء من الطابعة الثلاثية الابعاد
تزن قطعة البناء الواحدة ما يقارب 1.5 طن والتي طبعت باستخدام غبار القمر الاصطناعي. والآن لهذا الروبوت مهمة أخرى تتمثل بربطهِ مع طابعة ثلاثية الابعاد تقوم بمساعدة موجات صِغرّية (مايكروويف) بإذابة جزيئات الحديد داخل الغبار الصخري لسطح القمر ومن ثُم إعادة تشكيله الى أجزاء وعناصر صلبة القوام. بقابلية الحركة والمرونة الكبيرة هذه، من الممكن أن ينجح الروبوت ببناء مبنى كامل لوحدهِ وبشكل مستقل تماماً. بالإضافة الى ذلك وعلى النقيض من مبدأ الطباعة لدى مونولايت، شريك محطة الفضاء الأوروبية، فأن الروبوت العنكبوت اثلايت من ناسا ليس بحاجة لطرق إضافية لربط عجينة الطباعة مع بعضها والتي يلزم نقلها بشكل دائم لموقع البناء. الطابعة المقدمة من ناسا تذيب ببساطة مكونات عجينة الطباعة مع بعضها البعض باستخدام الحرارة.
المنافسة الأولى للعمارة على سطح المريخ
كل هذه الصعوبات المذكورة آنفاً، كالتقلب الكبير بدرجات الحرارة أو غياب الغلاف الجوي على سطح القمر، لم تثني ناسا من الاستمرار بالتفكير. ففي العام 2015 أطلقت الوكالة منافسة الهندسة المعمارية للطباعة الثلاثية الابعاد “3D-Printed Habitat Challenge”، هذه المرة جدياً تحت هدف بناء مستعمرة مَريخيّة قابلة للطباعة. والانتصار سيكون لفريق من العلماء والمهندسين المعماريين الذين يسعون لتبخير الجليد من التربة المريخيّة وتجميد بخار الماء هذا في بيئة باردة في مكوناتهِ. أول مسكن ثابت على المريخ سيكون بعد ذلك نوعاً من التكنولوجيا الفائقة باستخدام الطابعة.

المصدر هنا

عن

شاهد أيضاً

خلود وحياة مُعززة: هل المستقبل للبشر المتحوّلين؟

كتبه لصحيفة (ذا غارديان): روبن ماكي منشور بتاريخ: 6/5/2018 ترجمة: أحمد طريف المدرس مراجعة وتدقيق: …

كيف ساهم آينشتاين بأختراع السيارات ذاتية القيادة

كتبته لموقع (فروم ذا غرايبڤاين): جين فيرسكوس منشور بتاريخ: 25/1/2017 ترجمة: أحمد طريف المدرس تدقيق: …