الرئيسية / إقتصاد / العيوب التي يريد اقتصادي حائز على جائزة نوبل أن تعرفها عن نفسك

العيوب التي يريد اقتصادي حائز على جائزة نوبل أن تعرفها عن نفسك

ترجمة: العنود الرشيد
تدقيق : نعمان البياتي
تصميم الصورة : حسام زيدان

يؤسفني أن أخبرك أنك لست كاملاً. نحن نعتقد أننا مخلوقات ذكية، وعقلانية، ونعمل دائماً لخدمة مصالحنا، ولكن في الحقيقة، النظرية الاقتصادية السائدة هي التي تصنع ذلك الافتراض.
أما ما تبقى من هذا الوهم فقد أزالته الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم التي منحت جائزة نوبل في الاقتصاد لـ (ريتشارد ثالر)، الاقتصادي الأمريكي في جامعة شيكاغو، لعمله الرائد في علم الاقتصاد السلوكي – الذي يدرس عيوب الإنسانية – وبالأخص، عدم امكانيتنا على اتخاذ قرارات اقتصادية عقلانية.
شارك (ثالر) في تأليف الكتاب المؤثر (Nudge: Improving Decisions about Health, Wealth and Happiness)، مع (كاس سنستين) في عام 2008. يشرح (ثالر) في هذا البحث وغيره، العيوب والتحيزات التي تؤثر على أفعالنا، مما أدى الى التوصل لنظرية مفادها أنه يمكنك استخدام دفعات خفيه لتشجيع الناس على اتخاذ قرارات أفضل، وخاصة عند التخطيط للمدى الطويل، مثل الادخار للتقاعد.
وفيما يلي بعض الطرق الرئيسية التي يرى الاقتصاديون السلوكيون مثل (ثالر) أننا نخذل أنفسنا بها:
النفور من الخسارة والترسيخ
يمكن للناس اتخاذ قرارات سيئة على أساس شيء أطلق عليه (ثالر) “تأثير الوقف”، وهي النظرية القائلة بأن الناس يُقَدرون الأشياء بشكل أكبر عندما يمتلكونها، بعبارة أخرى، إذا كنت ستبيع غرضاً تملكه، فستطلب ثمناً أكبر مما أنت مستعد لدفعه، لو وددت شراء الغرض نفسه.
هذا يتعلق بنظرية رئيسة أخرى، تعرف باسم النفور من الخسارة، إذ يتأثر الناس بالشعور السلبي المصاحب للخسارة أكثر مما يتأثرون بالشعور الإيجابي للربح، حتى وإن تساوى مقدار الخسارة بالربح، وهذا يتأثر أيضاً بالرسوخ، فعلى سبيل المثال، إذا كنت ستبيع غرضاً ما، فستطلب نفس الثمن الذي دفعته للحصول عليه، وإن كانت قيمة هذا الغرض أقل الآن، أنت مترسخ لسعر الشراء، وذلك جزئياً لأنك تريد تجنب الشعور بالخسارة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تعثر في الأسواق المالية على وجه الخصوص.
المخطِّط مقابل المنفِّذ
جميعنا مررنا بصعوبة اتخاذ قرار عقلاني يؤمّن لنا مستقبلاً جيداً وبين قرار يوفر لنا متعة فورية، وهذا ما يصفه (ثالر) وغيره بالصراع الداخلي بين الجزء المخطِط والجزء المنفِذ من شخصيتك. إحدى طرق تجنب هذا الصراع هي إزالة مسارات العمل قصيرة الأجل، وهذا يتنافى مع الفكرة الاقتصادية التقليدية بأن المزيد من الخيارات أفضل دائماً.
هنا يتضح لنا دور الدفعات، إذ إن (ثالر) و(سونستين)، من رواد فكرة استخدام الدفعات لخلق مسارات بديلة من الأفعال التي تعزز صنع قرارات جيدة على المدى الطويل، وفي نفس الوقت تحافظ على حرية الاختيار. إحدى الطرق التي وجدوها هي ببساطة تغيير الخيار المحدَّد مسبقاً – فبدلاً من توفير خيار الانضمام للمستخدمين، يتم اعطائهم قرار الانسحاب، وقد استخدمت هذه الطريقة في السياسة العامة، خاصة مع إنشاء “وحدات دفع” في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لتعزيز كل من مدخرات التقاعد والتبرع بالأعضاء؛ كما وجدت دراسة أجراها مجلس البحوث الاقتصادية والاجتماعية في عام 2014 أن 51 دولة قد وضعت وحدات مركزية للسياسات المتأثرة بالعلوم السلوكية.
توافر ارشادي
يميل الناس إلى اتخاذ القرارات بناء على سهولة توفر المعلومات. إذا كنت تستطيع أن تتذكر شيئاً بسهولة، فمن المرجح أن تعتمد أكثر على ما تذكره بدلاً من الحقائق أو الملاحظات الأخرى، وهذا يعني أن الأحكام تُتخذ بناءً على أحدث الأمور التي يمكن أن تتذكرها.
في الواقع، أظهرت الأبحاث أن المتسوقين الذين يمكنهم أن يتذكروا بعض المنتجات منخفضة السعر-بسبب الإعلانات المكثفة أو التخفيضات-يميلون إلى الاعتقاد بأن المتجر يقدم أسعاراً منخفضة على جميع المنتجات، بغض النظر عن الأدلة التي قد تظهر عكس ذلك؛ وفي إحدى التجارب، طلب أستاذ علم النفس من طلابه تقييم مستوى تعليمه، وطلب من المجموعة الأولى ذكر أمرين سلبيين بإمكانه تحسينهما، ومن المجموعة الثانية ذكر 10 أمور؛ وبما أنه من الصعب ذكر 10 أمور سيئة بدلاً من اثنتين فقط، قام طلاب المجموعة الثانية بإعطاء البروفيسور تقييماً أفضل، لأنهم اعتقدوا أن عدم قدرتهم على إيجاد أمور يمكن تحسينها دليل على أن المادة كانت جيدة.
التحيّز للوضع الراهن
يتمسك معظم الناس غالباً بالوضع الراهن حتى لو كانت هناك مكاسب كبيرة من التغيير الذي يتطلب تكلفة صغيرة فقط، ويعد هذا واحداً من آثار النفور من الخسارة، لذا فإن الدفعة، مثل تغيير الخيار المحدد مسبقاً على عقد، قد تكون فعالة جداً، وتبين أبحاث (ثالر) المتعلقة ببرامج المعاشات التقاعدية أنه بالرغم من إمكانية رفض الموظفين لاختيار خطة ما، فإن تفضيل الوضع الراهن يعني أنه حالما يختارون خطة، فإنهم في الواقع أكثر عرضة للاستمرار عليها.
وقد استخدمت الحكومات ذلك لتشجيع سلوك أفضل، فقد أصدرت الولايات المتحدة في عام 2006 قانوناً يشجع الشركات على تسجيل موظفيها تلقائياً في خطط الادخار التقاعدية، والتي يمكنهم الانسحاب منها في أي وقت يشاؤون؛ وبحلول عام 2011، قدر (ثالر) وزميله أن 4.1 مليون شخص كانوا مسجلين في إحدى أنواع خطط التصعيد التلقائي، وزادت نسبة الادخار السنوية بمقدار 7.6 مليار دولار بحلول عام 2013، أما في المملكة المتحدة، فقد وُضع نظام وطني لتسجيل الأشخاص تلقائياً في خطة المدخرات الشخصية، وكان معدل الانسحاب منه 12٪ فقط.
هذه السمات البشرية قد لا تبدو غريبة، ولكن (ثالر) يعتقد أن الاهتمام بآثار السلوك البشري قد فقد أهميته في النظرية الاقتصادية السائدة، ومع اعتماد مجال الاقتصاد بشكل أكبر على الرياضيات، أصبح فهم الحركة الاقتصادية العالمية مبنيّاً على نماذج اقتصادية جامدة ومعقدة؛ وتميل هذه النماذج إلى التركيز على ما يمكن قياسه، متجاهلة القرارات غير العقلانية التي يتخذها البشر؛ وقد كتب (ثالر) في مقالة نشرت العام الماضي: “لقد حان الوقت للتوقف عن التفكير في الاقتصاد السلوكي كنوع من الثورة، بدلاً من ذلك، ينبغي اعتبار الاقتصاد السلوكي مجرد عودة إلى انضباط منفتح ومحفز بدوافع حسية، والذي تم اختراعه من قبل آدم سميث، وتم تعديله وفق أدوات إحصائية قوية ومجموعات البيانات”.
“اليوم، لا يزال الاقتصاد السلوكي موضوعاً منفصلاً إلى حد ما في إطار الانضباط الأوسع”، ولكن يعتقد (ثالر) أن مجال الدراسة الذي نال بسببه جائزة النوبل لن يستمر لفترة طويلة: “إذا كان الاقتصاد يتطور على هذا النحو فإن مصطلح “الاقتصاد السلوكي” سيختفي من مُعجمنا، كل الاقتصاد سيكون سلوكياً كما يتطلب الموضوع”.

المصدر هنا

عن

شاهد أيضاً

الأشخاص الحكماء أقل شعوراً بالوحدة! إليكم الأسباب

بقلم: مات دايفيس لموقع: Big Think ترجمة : رهام بصمه جي تدقيق: ريام عيسى  تصميم …

السير الحتمي نحو الكارثة الاقتصادية

بقلم: ايملي ستيورت بتاريخ: 20/7/2020 ترجمة: رهام عيروض بصمه جي تدقيق: ريام عيسى تصميم الصورة: …