الرئيسية / سياسة / هل يعتبر استفتاء الكرد انحرافاً في مسار الدولة؟

هل يعتبر استفتاء الكرد انحرافاً في مسار الدولة؟

كتبه لصحيفة الواشنطن بوست: أندرو أبوستولو (Andrew Apostolou)
منشور بتاريخ: 25 اغسطس، 2017
ترجمة: أحمد خضير عباس

تدقيق: محمد علي العوادي
تصميم: احمد الوائلي

 

هل يُعتبرُ استفتاءُ الكُرد انحرافاً في مسار الدولة؟
سيُجري الكُردُ العراقيون استفتاءً على الاستقلال في 25 أيلول القادم، ويُعتقد أنَّ مُعظمَهم سيُصوّتون بالإيجابِ، لكنَّ هذا الأمرَ مَجهولُ العاقبَةِ. إذ لا يُعلَمُ إذا كان هذا التصويتُ سيساعدُ كردستان لتصبح دولة مُستقلّة أم سيخلق مُشكِلاتٍ قد تُسبِّبُ انحرافاً في مسَار الدولة. يريد الكُردُ الاستقلالَ لإنهاء صِراعٍ ناهز المائة عامٍ داخلَ العِراق.

ويُشكّلُ الكورد، الذين يعيش مُعظمهم في شمال العراق على امتداد الحدود مع سوريا وتركيا وإيران، نِسبَةَ 15% إلى 20% من إجمالي سُكّانِ العِرَاقِ البَالِغِ عَدَدُهُم 38 مليونَ نَسَمَةٍ. وبخلافِ مُعظم العراقيين الذين يتكلّمُونَ العَرَبيَّة ويتّبِعُونَ المَذهَبَ الشِّيعِيّ في الإسلامِ، فلِلكُردِ لُغَتُهُمُ الخاصّةُ وأنَّهُم مُسلِمُونَ سُنَّة بِالدَّرَجَةِ الأولَى. لقدِ اصطدمت رَغبَةُ الكُردِ في تَعزِيزِ هُويَّتهم بِإقَامَةِ حُكمٍ ذاتِيّ مَعَ إصرَارِ الحُكُومَةِ المركزيَّةِ على بقاء العراق مُوحَّدَاً. لمَّا يُحَدِّدِ الجانبَانِ الحدودَ المُتاخمة بين العراقِ والكُردِ، كمَا يُريدُ الجَانِبَانِ أن يُسَيطِرَا على محافظة كركُوك ذاتِ الأغلبيّة الكُرديَّة المُتاخِمَةِ لِحقولِ النِّفطِ الرئيسيةِ.

فشَلَت كُلُّ المُحَاولات التي سَعَت لإيجَادِ حَلٍّ يُرضي الطَّرفَينِ، وقُوبِلَت بِالقُوَّةِ. وقد شَهدَ عَقد الثّمانِينِيَّاتِ منَ القرنِ المُنصرمِ قِيامَ صَدّامِ حُسين بمذابِح إِبَادَةٍ بشرِيَّة حصدت أروَاحَ مَا يُنَاهِزُ المِئة ألفِ كُردِيّ ودَمَّرَت مَا يُقَاربُ ألفينِ قَرية. يَحتاجُ الكُردُ العِرَاقِيونَ تَصويتاً يُخوِّلُ حُكُومَة إقلِيمِ كُردِسْتَان، الإدَارة الكُرديّة المُستَقلّة داخِلَ العِرَاقِ، مِنَ التَّفَاوُضِ بشَأنِ الاستقلال. ويُعَدُّ الاستفتاءُ القانونيّ تعبيراً قوياً عن الإرادة الشعبية حينما يكون له تفويضٌ خاص، لكنَّ استفتاء 25 أيلول يفتَقِرُ إلى التخويلِ، الأمر الذي يجعَلُ أثَرَهُ مبهماً. ولن تُجبر النتيجةُ أيَّ طرفٍ في الحكومة، كالرئيس أو مجلس الوزراء أو البرلمان مثلاً، على التحرُّك. وقد زاد الأمر صعوبةً عدم تأسيسِ دستورٍ تابِعٍ لحكومة إقليمِ كردستان. لأنَّ التصويت السابقَ على تأسيسهِ عام 2009 كانَ باطل المفعول لعدم حصول استفتاءٍ يُصادَقُ عليهِ. ومن الناحية النظرية، فإنَّ دستورَ عام 2009 يَمنَحُ كُردستان حقَّ التصويتِ تماشياً مع قانونِ الاستفتاء، بَيدَ أنَّ البرلمانَ الكُرديّ لم يُمرِّر قانونَ الاستفتاء ولن يصوِّتَ عَلَيهِ. وقد توقَّف البرلمانُ الكُردِي عن العمل بسبب نُشُوبِ صِراعٍ بينَ مَسعُود بارزاني، رَئِيس حُكُومةِ إقليم كردستان، والمعارضة.

وتُعتبر نتِيجَةُ استفتاء 25 أيلول إعلاناً لنوايا أكثر مِن مُحاوَلةٍ موثوقٍ بِهَا للاستِقلالِ. وقال السّيد بارزاني في حزيران الماضي “سَتَجمَعُ حكوماتُ كردستان المُستقبليَّةِ نتائِجَ الاستفتاءِ”. في حقيقيةِ الأمرِ، ليسَ هُناك ما يُخول حكوماتُ كردستان المستقبلية أن تفعلَ أيَّ شَيءٍ من دُونِ دستُورٍ وقانُون استفتاء. كما يؤكّدُ التصويتُ الشَّعبِيُّ في 25 أيلول أنْ ليس لحكومَةِ إقليم كردستان أيُّ خُطَّةٍ للمُستقبلِ. فعَلَى سَبيلِ المِثالِ، ليسَ ثَمَّةَ اقتِرَاحٌ لِسَكِّ عملةٍ مُستقبليّة إذا كانت نتائِجُ التصويتِ تدعُو إلى الاستقلال. إضافةً لعدمِ وُجودِ جدولٍ زَمَنِيّ مُزمَعٌ لإجراء المحادثاتِ مع الحُكومَةِ المركزيَّةِ.

يختلفُ هذا الاستفتاءُ تماماً عنِ استفتاءِ الاستقلال الأسكتلندي الذي حَدَثَ في أيلول عام 2014، حيثُ وضعت اسكتلندا خُططاً مُفَصَّلةً في آذار عام 2016 لإنشاء دولَةٍ مُستَقِلَّة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي استفتاء 25 أيلول إلى زيادةِ حِدَّةِ التوتر الكبير مَعَ بقِيَّةِ العراقِ في مسألتين: الشَّعب والحدود.
وعلى مَدَى عُقودٍ من الزمن، طردت الحكوماتُ العراقيَّة الكُردَ من المناطقِ المختلطة عرقياً وأَحَلَّت محلّهم عراقيّينَ عرَب. وأصرَّ صدام حسين، بشكل خاص، على إزالة الكُرد من مُحَافظة كركوك واستبدلهم بعربٍ من جنوب العراق. ولقد فشلت الحكومات العراقية، التي تشكلت بعد سقوط نظام صدام حسين، بتنفيذ اتفاقية عام 2005 التي تقضي بتعويض هؤلاء العرب. وردَّاً على ذلك، سيُجري الكردُ الاستفتاءَ في المناطق المتنازَعِ عليها، كالتي حرَّرَتها القوَّات الكرديَّة بعدَما كانت تحت سيطرة ما يُعرَفُ بالدولة الاسلاميَّةِ، وسيسمحون للسكان العرب وذرارِيهِم بالتَّصويت، بما في ذلك سكان محافظة كركوك، على الرغم من أنَّ حكومة الإقليم تريدُ ترحيلهم، لكنَّها تتَّبِعُ اليومَ سياسةَ “أيُّها العَرَبُ! صَوِّتُوا اليومَ.. والرَّحيلُ في وقتٍ لاحِقٍ” ‏ يُزيدُ القادةُ الكردُ بالمجادلةِ الأمرَ سُوءاً، لكنهم سيحصَلُونَ على تلك المناطق المتنَازَعِ عليها بالتَّفاوُضِ والإقناع. أما بارزاني، فيُريدُ فقط ضَمَّ المناطق التي أزمَعَ الغالبيَّةُ العظمى من سُكَّانِها أن يكونوا جُزءاً من كردستان.

لكن ليس ثمَّةَ توضيحٌ حول ما جاء في كلامهِ “الغالبيَّة العُظمى”. فعلى سبيل المثال، هل ستكون نسبةُ 66% كافيةً في التصويت لضمِّ تلك المناطق كما أقرَّ استفتاء الدستور العراقي في عام 2005؟ وعلى الرغم من اعتراض الحكومةِ المركزيَّةِ، فهناك سَابقةٌ تاريخية، مقارِبة لاستخدام حكومة الإقليم التصويتَ لرسم الحدود، قامَت بِهَا ألمَانيا وبولندا حين قسَّما سيليزيا العليا من خلال استفتاء شعبي أُجري في كل مقاطعة تحت إشراف دوليّ بعد سنوات من الصراع العِرقي. كانت هذه سابقة حزينة حين وافق الألمان على الإكراه بترك إحدى مقاطعات بلادهم حينما حل البولنديون القضية العالقة بطرد الألمان جميعاً بعد فضائع النازيين في الحرب العالمية الثانية.

أما الكُردُ العراقيون، فعليهم أن يتجنَّبوا مثل هذه النتيجة البربرية. وبالنظر لكَونِ العراق دولة فاشلة (1)، سينَالُ الكُردُ مرادَهُم في نهاية المطاف. ومن جانِبٍ آخر، فإنَّ رئيس الوزراء العراقي يعترف بحق الكُرد في تقرير مصيرهم. وإن قضيَّةَ خرُوجِ حكومة كردستان من العراق مُهِمَّةٌ بنفس أهمية إقامَةِ دولة مستقلة، وعلى حكومة إقليم كردستان أن تدرِكَ هذا الأمر.

 

المصـدر:
هـنــا

* الهوامش: (1) دولةٌ ذاتُ حكومةٍ مركزيَّة ضَعيفةٍ أو غير فعَّالةٍ حتى أنها لا تملك إلا القليل من السيطرة على جزء كبير من أراضيها.

عن

شاهد أيضاً

الجواز الأمريكي لا فائدة منه

يمكنني التنقل حيث شئت بجواز سفري الألماني. ولكن عدد الدول التي تسمح للأمريكيين بالدخول تكاد …

حصرياً: من داخل مخيمات تدريب تابعة لحزب الله لنشر الأخبار الزائفة  

  بقلم: ويل كريسب وسداد الصالحي  بتاريخ: ٢/آب / ٢٠٢٠ ترجمة: رحاب الهلالي تدقيق: ريام …