الرئيسية / علوم تطبيقية / السبب الحقيقي وراء تعلم السلحفاة إخفاء رأسها

السبب الحقيقي وراء تعلم السلحفاة إخفاء رأسها

قبل 65 عاماً، وفي ذروة الحرب الباردة، أصدرت الحكومة الأمريكية فيلم رسوم متحركة قصير حول ما يجب على الأمريكيين القيام به في حال حدوث هجومٍ نووي. أبرز الفيلم كما لو أن بطل القصة كان ربما من أشهر الأمثلة على حيوان يميل للتخفي والتغطية ضد الهجمات: السلحفاة.

قد لا تمتلك رأساً نحيفاً لأكل الأوراق كالزرافة أو رأساً دوار ومرن كالبومة، لكن رقبة السلحفاة القابلة للسحب لا يعيبها شيء. عند وقوع الخطر، تستخدم السلاحف رقبتها المرنة لسحب رأسها بأمان داخل درقتها الشبيهة بالدرع. إفترض الباحثون التطوريون منذ فترةٍ طويلة أن السلاحف قاموا بتطوير هذه الخدعة كحماية ضد الحيوانات المفترسة، لكن بحثاً جديداً يقترح أنه من المرجح أن الغرض الأصلي ليس للدفاع، ولكن للغذاء.

كان بلاتيشيليس أوبيرندورفيري “Platychelys oberndorferi”، وهو نوعٌ من السلاحف التي عاشت في وسط أوروبا منذ ما يقرب من 150 مليون عام، بعد بضعة ملايين من السنين بعد أن تطورت السلاحف. كان طولها يساوي تقريباً من 1-2 قدم، وكانت تصنع بيتها على الأرجح في الأراضي الرطبة والبحيرات في أرض العصر الجوراسي الدافئة. ومع ذلك، فإن التشابه مع غالبية السلاحف الحديثة ينتهي هناك وفقاً لعالِم حفريات متحف جوراسيكا، جيريمي أنكيتين ”Jérémy Anquetin”، وهو المؤلف الرئيسي لدراسةٍ نُشِرت قبل أربعة أشهر في مجلة الساينتفك ريبورتس “Scientific Reports”.

يقول أنكيتين، “كانت السلحفاة الجوارسية في الواقع غريبةً جداً عند النظر إليها”، مشيراً إلى درقتها التي تتكون من نتوءاتٍ حادّة وجمجمة واسعة مع عيونٍ قريبة من الأنف. إن حفريات النوع بلاتيشيليس أوبيرندورفيري نادرة. حيث يقول أنكيتين أنه وفريقه عثروا على الأحفورة المُستخدمة في دراستهم عن طريق الصدفة، عندما أعيدت عينة من عام 1862 إلى متحفٍ في بازل، سويسرا، من نيوورك.

الأكثر من هذا، هو أنه قد صادفَ أن تمتلك هذه الأحفورة عظاماً رقيقة محفوظة من فقرات السلاحف، مما أتاح للفريق فرصة مقارنة نظامها الهيكلي مع السلاحف الحالية.

تنقسم السلاحف الحديثة إلى مجموعتين رئيسيتين إعتماداً على كيفية سحبها لرقابها: سلاحف جانبية الرقبة، حيث تقوم بحني رقبتها لسحب رأسها نحو درقتها بشكلٍ جانبي، وسلاحف مخفية الرقبة، حيث تقوم بسحب رأسها مباشرةً نحو درقتها. يبدو أن السلاحف جانبية الرقبة تطورت قبل أكثر من 200 مليون سنة مع السلاحف مخفية الرقبة المتفرعة منها منذ 165 مليون سنة.

إستناداً إلى شكل جمجمته وعدد فقراته، فقد تم تصنيف النوع بلاتيشيليس أوبيرندورفيري كسلاحف جانبية الرقبة منذ فترةٍ طويلة. ولكن عندما عَرَضَ أنكيتين ومعاونيه فقرات السلحفاة المنقرضة، وجدوا شيئاً محيّراً. يقول أنكيتين، “لقد تشكّلوا كما لو أنه يجب أن يكونوا في مجموعةٍ مختلفة من السلاحف”، في إشارةٍ إلى الفقرات المشابهة لفقرات السلاحف مخفية الرقبة، حيث يضيف، ” لم نكن نتوقع أن نجد شيئاً من هذا القبيل”.

تشكّلت فقرات النوع بلاتيشيليس أوبيرندورفيري للسماح للسلحفاة بأن تسحب رأسها جزئياً مباشرةً نحو درقتها – وليس إلى الجانب، كالسلاحف جانبية الرقبة. يقول أنكيتين، إن جزئية السحب الجزئي للرأس هي المفتاح. لا يوفر السحب الجزئي للرأس أي فوائد وقائية، حيث يمكن للحيوانات المفترسة الوصول بسهولة ومهاجمة الرأس المنحنية غير المحصنة. ولذا فإن فكرة هذا النوع من سحب الرأس التي قد تطورت للدفاع لم يكن لها معنى.

يقول أنكيتين، “إن هذه الآلية قد تطورت لسبب ما”، ويضيف، “ولذلك فقد بدأنا بالبحث عن سبب”.

جاءت الفكرة في شكل شبيهٍ من العصر الحديث من النوع بلاتيشيليس أوبيرندورفيري – سلاحف ماتا ماتا النيوزلندية والسلاحف العضاضة من أمريكا الشمالية، واللتان تمتلكان درقاتٍ ناتئة وجِدَت في النوع بلاتيشيليس أوبيرندورفيري. تطورت هذه السلاحف بشكلٍ مستقل عن بعضها البعض في جوانب متعاكسة من العالم. ويستخدمون أيضاً قدراتهم في سحب رقابهم ليس فقط من أجل الحماية، ولكن أيضاً للصيد. إنهم يمثلون مثالاً للتطور المتقارب – نوعان غير مترابطين يطوران نفس السلوك أو السِمة الجسدية.

ربما تكون صفات السلاحف كمخلوقات عاشبة وبطيئة هي صفات نمطية، ولكن هذين النوعين يطلقان رقبتيهما بعنف إلى الأمام لمهاجمة الفريسة. (وبالمثل، تقوم السلحفاة العضاضة بالإندفاع للأمام لالتقاط الأسماك الصغيرة مع عضة من فكها القوي). وللحصول على زخم ومفاجأة ضحاياهم، يطلق النوعان رأسهما المتراجع من داخل الدرقة.

يشتبه أنكيتين أن النوع بلاتيشيليس أوبيرندورفيري هو حالة من التطور المبكر لهذه القدرة. بما أن السحب الجزئي لا يساعد هذه السلحفاة في حماية نفسها، فإنه من المنطقي أكثر أنها طوّرت هذه السمة لصيد الآخرين. أن تكون قادراً على السحب الجزئي للرقبة كما يفعل النوع بلاتيشيليس أوبيرندورفيري من شأنه أن يسمح له بالهجوم على الفريسة بمزيدٍ من القوة.

يضيف أنكيتين، من المنطقي تطور السحب الجزئي للرقبة في نوع حديثٍ آخر من السلاحف مخفية الرقبة.

غالباً ما يعمل التطور على إستيعاب الخواص التي تطورت لغرضٍ واحد إلى خاصية أخرى مختلفة، في عملية تدعى بالتكيف المسبق ”exapation“. على سبيل المثال، يقول تايلر لايسون “Tyler Lyson”، أمين الحفريات الفقارية في متحف دنفر للطبيعة والعلوم، كان ريش الطيور يُستخدم في الأصل لتنظيم درجة الحرارة، ولكن فيما بعد، قام بلعب دورٍ حاسم في الطيران.

يقول أنكيتين، وبشكلٍ مشابه، فإن الفائدة المضافة من تطور سحب رقبة السلاحف للدفاع، كانت قد تطورت قبلها على الأرجح من هذه الجزئية. وبسبب التغييرات الجسدية الكبيرة المطلوبة للسماح للسلحفاة بالسحب الكامل لرقبتها، كانت عملية تطوير تلك القدرة قد إستغرقت وقتاً طويلاً جداً. حيث يقول، “لا يمكن أن تظهر في ليلةٍ واحدة”.

يعتقد براد شافر “Brad Shaffer”، وهو عالم أحياء تطوري في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، أن أنكيتين ومعاونيه “يزيلون الغطاء” قليلاً مع ثقتهم في فرضيتهم. وبشكلٍ خاص، يقول شافر أنه غير متأكد من مقدار الإستقراء المطلوب من الأحفورة الجزئية للتوصل إلى نتيجة في هذه الدراسة.

يقول شافر، والذي لم يشارك في هذه الدراسة، “نظراً لوجود إثنين من الفقرات العنقية فقط، فهم يقومون بالكثير من إعادة البناء”. ومع ذلك، يضيف، أنه يأمل في ان النظرية ستثير المزيد من النقاش في مجال بحوث السلاحف، وأنها ترفع النقاش بين الباحثين حول كيف أن الحدود بين السلاحف جانبية الرقبة والسلاحف مخفية الرقبة غير قابلةٍ للتغيير حقاً.

مع وجود مجموعة محدودة من الأحافير المبكرة المحفوظة جيداً للسلاحف، يقول أنكيتين أنه لا يتوقع أنه سيكون قادراً على القيام بالعديد من الدراسات حول هذا الجانب من تطور السلاحف مرةً أخرى. لكنه يتوقع أن علماء الأحياء سوف يكونون الآن قادرين على دراسة سلوكات التغذية المختلفة بين السلاحف الحديثة ورؤية كيفية المقارنة بين تشريح رقابهم. ويتفق شافر على أن هذه التحليلات حول كيف تسحب السلاحف رقابها “عبر شجرة حياة السلاحف” سيساعد في رسم صورةٍ أفضل لكيفية تطور هذه السمة.

http://www.smithsonianmag.com/science-nature/real-reason-turtle-learned-hide-its-head-180962233/

عن

شاهد أيضاً

فرانكنشتاين: التجارب الحقيقية التي ألهمت الخيال العلمي

كتبه لموقع “ذي كونفرزيشن”: ايوان موروس نشر بتاريخ: 26/10/2018 ترجمة: إبراهيم العيسى مراجعة وتدقيق : …

لِمَ تقل مستويات التستوستيرون عند الرجال في العصر الحديث؟

كتبه لموقع “بيغ ثينك”: ماثيو دايفس نشر بتاريخ: 12/10/2018 ترجمة: إبراهيم العيسى مراجعة وتدقيق : …