الرئيسية / ثقافة / معنى هيّ هيّ: المعنى الحقيقي وراء شخصية ديكْ موانا

معنى هيّ هيّ: المعنى الحقيقي وراء شخصية ديكْ موانا

الكاتب: ديفيد دوبــــــري

موانا هو فيلم ظهرَ عام ٢٠١٦م من أنتاج شركة ديزني للرسوم المتحركة يحكي قصة امرأة شابة تنظم إلى نصفِ إله فاتِن لاستعادة قلب إله (إله الخضار) وكسر لعنة دامت قرون طويلة. من بين نجوم الفلم ديك. ولكن وهذا ليس بأيّ ديك أبله عادي.

في التقليد الطويل لِشركة ديزني لِأفلام الرسوم المتحركة، بعد أدوار الأميرات كلها، إذا كانت هناك سمة واحدة غير قابلة للكسر التي تظهر في جميع أفلامهم، سواء كانت كلاسيكية أم لا، فهي الصاحب المُزركش الذي ينظم لِبطل الفلم في العديد من مغامراتهُ. كل بطل لديهِ هذا الصاحب. وحتى الأشرار في بعض الأحيان يحصلون على صاحبهم هذا (نحنُ ننظر إليك، يا ياغو[1]). وقد أصبحت هذه المخلوقات الصغيرة مشهورة وشعبية جداً، وفي بعض الأحيان يحصلون على أفلام خاصة بهِم وشيء ما يُشبه العبادة كذلك. وهناك عدد قليل من الاصحاب الذين نالوا شهرة واسعة هم تيمون وبومبا (Timon and Pumba) في فلم الأسد الملك في عام ١٩٩٤م (The Lion King)، والسمكة المُفلطحة (Flounder) في فلم حورية البحر الصغيرة في عام ١٩٨٩م (The Little Mermaid)، وكل شيء متعلق بالأثاث والأدوات المنزلية في فلم الحسناء والوحش في عام ١٩٩١م (Beauty and the Beast). شيءُ واحد مؤكد، لنْ يختفوا هؤلاء البتة.

الفلم موانا، يحكي قصة فتاة مستقلة على وشك أن تُصبح زعيمة شعبها في جنوب المحيط الهادئ، تنطلق في رحلة في المحيط سعياً في العثور على من كان في سالف الزمن نصف إله قوي وإقناعهُ لتصليح غلطتهُ وأبطال اللعنة المُدمرة التي بدأت بعد ان سرقَ حجرٌ أخضر وهو قلب الإله تي فيتي (الجزيرة الأم). ما لا تعرِفهُ موانا-حتى تبتعد عن جزيرتها في غياهب البحر، هو أن المحفوظ على متن قاربها كماكاو (نوع من القوارب الشراعية التقليدية) حيوانها الأليف الديك هيّ هيّ، ديكٌ صغير لم يُهبْ أيّ شيء يُظهر فيه أيّ نوع من الذكاء.

بصدق، الديك غبيٌ أحمق. مخلوق على ما يبدو خالياً حتى من التفكير العقلاني أو البنّاء، لا يمتلك حتى المعرفة المباحة للجميع حيث لا يفرق بين البذور والحجر المصقول الأكبر من ضعف حجم رأسه. فهو يأكل الاثنين الحجر والبذور. طوال الفيلم، يُرى الطير في حالات عبثية بنحو متزايد التي تُبين حيوان ذو قدرة غير كفؤة تذكارية تفتقر إلى المنطق الإدراكي الأساسي. هذا هو ديك غبي. أو هكذا يراد لنا أن نُفكر.

قبل أن الخوض في السبب، دعونا نفكر في عدد قليل من الاصحاب الأكثر شعبية ودورها النموذجي، بدءاً من تيمون المذكور وبومبا. هنا اثنين من الحيوانات، نمس وخنزير، لا يملكون فقط القدرة على الكلام، ولكن لديهم قدرة اجتماعية عالية، وتفكير إبداعي، وعقل مستقل أيضاً. في الواقع، هناك عدد غير قليل من الاصحاب الذين يظهرون ما يقرب من هذا المستوى من الذكاء. بالتأكيد، ليسوا جميعهاً يتكلمون، لكنهم يتواصلون ويوغلون أنفسهم في القصة في العديد من الطرق الجديرة بالاهتمام. هذه الحيوانات والمخلوقات تخدم دوراً بالغ الأهمية في أفلامها، وغالباً ما تصبح جزءاً لا يتجزأ من نتائج على القصة.

نعم هيّ هيّ، (الذي أدى صوتهُ ألن توديك) لديه دور يلعبهُ في القصة، ولكن لماذا تبتكر ديزني ما هو بسهولة الصاحب الأقل ذكاءاً في تاريخها بأكملهِ، خصوصاً في الفيلم الذي هو وبكل الاحترام تقدمي حقاً؟ الغريب حقاً، هو ليس البداية التي بدأ بها الطير. في الواقع، هيّ هيّ كان من المُفترض أن يكون شخصية ذات طابع أكثر تقليدية، فخوراً، شجاع، مثل كلب مراقبة صارم، أُرسل لينظم إلى موانا (التي أدت صوتها آولي آي كروفاليو[2]) بناءاً على أوامر من والدها لحمايتها. كما تتقدم القصة في النماء، هيّ هيّ يتقدم أيضاً. في الواقع، خامهُ الأصلي، كان ذو سلوك عدائي، وفي وقت لاحق الشخصية بذاتها سُحبت من الحبكة.

لحسن الحظ، تم حفظ دور الطير، ومعظم الفضل راجع إلى جون لاسيتر المدير التنفيذي لِبيكسار وديزني للرسوم المتحركة الذي أوجدَ دوراً للديك. حولَ فريقهُ الديك إلى تعقيدات، عقبة في رحلة موانا، معظمها لخلق جو من الكوميديا، فإنهم في الواقع أضافوا بعضٍ من السياق المثير للاهتمام، مُضيفين المزيد من العمق للقصة كَكُل. وهذا هو هدف مَقالُنا.

دعونا نبدأ مع الاسم، هيّ هيّ (يُلفظ هيّ هيّ Hey Hey) وإذا لم تَكُنْ تعرف، (فَموانا: تعني المحيط، أو إمْتِداد واسع من المياه) في اللغة الماورية وهاواييّة (Maori and Hawaiian). هذا منطقي ومفيد لِفهم الشخصية. “هيّ هيّ” في نفس اللغة يعني “اِضْطِراب” أو “إنْقطاع عن العرف السائد”. وهذا دليل كبير على شخصيتهِ ودوره في القصة وأيضاً. دعنا نعود إلى ذلك.

بمعنى أوسع، هيّ هيّ يُمثل قصة موانا. فنحن شاهِدنا وعرِفنا أن الناس الذين ستتزعمهم موانا قريباً عاشوا لقرون على جزيرتهم، لا يبتعدون عن شواطئها، خائفين من عبور حدود الشُعاب المرجانية التي تُحيط بِهم. فهم يعيشون أساساً على صخرة ينقرون فيها يوماً بعد يوم، مُلبيين الحاجة إلى التحول لاستبدال بساتين جوز الهند المستنفذة وشحة الاسماك في مناطق الصيد المُعتادة في محاولةٍ منهم لإبقاء الطعام على موائدهم. الآن، قارنْ هذا مع مشهد سابق، حيث نرى هيّ هيّ في الواقع يَنْقر في صخرة واحدة معزولة (مثل جزيرة)، والذي يعلق عليه أحد سكان القرية، بأن الديك “مفتقراً إلى الذكاء الأساسي اللازم إلى حد كبير. . . لكل شيء”. يحاول (هيّ هيّ) ابتلاع الصخرة قبل أن يضطر إلى طرحها خارجاً. إذن لدينا ديك يحاول أن يصنع من صخرة طعاماً، غير قادراً على النظر إلى أبعد من ذلك ورؤية أن هناك الكثير من الصخور غيرها. مُخلص جداً للصخرة، هيّ هيّ يبتلعُها حرفياً قبل أن يُدرك ماهيتُها. إذن ما معنى هذا؟ حسناً، تُمثل الصخرة الجزيرة ويُمثل الديك الناس الذين يعيشون على الجزيرة، أو بشكل أكثر دقة، ايمانهم بالعزلة. إنها استعارة بصرية صريحة على محنة الشعب وعلاقةُ المتنافرة مع البحر نفسه. هذا يُعتبر تَعْلِيق عن الوضع الاجتماعي ذا مستوى عالٍ جداً.

 

دعنا نستكمل. لا يمض وقت طويل، حتى نرى هيّ هيّ يُعبئ (داخل صِرار للأغذية) على متن قارب موانا، تكتشفهُ موانا في حجرة صغيرة وتسحبهُ إلى الخارجِ (يرتدي نصف جوزةْ هند على رأسهِ تُخفي وجهه كله، وهي ثيمة سآتي إليها بعد قليل). عندما تُزيل موانا نصف جوزة الهند من رأسه، ينظر الديك حوله ويرى أنهم فعلاً تعدوا سياج الشُعب المرجانية وأضحوا الآن على ظهر محيط مفتوح شاسع، فيصيحُ مذعوراً، صرخةٌ مُضحكة، تتراجع الكاميرا إلى الخلف لِتكشف عن الكيفية التي يبدو بها القارب، صغير وتافه على سفح مياه مُكدرة عُظمى. هيّ هيّ، لا يزال يُمثل شعب الجزيرة، مُعطياً شاهداً على الخوف الذي أبقاهم حبيسي الجزيرة. مَثْلَ المحيط من البداية المستقبل المجهول، وهنا يصبح حرفياً مُستقبلاً مجهولاً.

على الرغم من ذلك وعند حدٍ ما نرى هيّ هيّ يأتي إلى يابسة، وجههُ ورأسه مغطى الآن بوعاء طهي. هذا مهم. غير قادر على البصر، يستمر في المشي بشكل متكرر بين الصخور مرتطماً بها كما لو كان غير قادر على سبر غور عبثيةْ أفعاله. أليس الشعب على جزيرة موانا عميان أيضاً بالقيود التي فرضوها على نفسهم؟ راطمين رؤوسهم مجازاً بين الجزيرة والزمن، على أمل أن تتمكن من الحِفاظ عليهم إلى الابد؟ أنه عرض بصري حاذق وفعّال يعرض روح الشعب ولكن أيضاً مغالطتهم الفكرية بأنهم قادرين على الحفاظ على أنفسهم كما هم.

لاحظ أيضاً كيف ماوي نصف الإله (الذي أدى صوتهُ دواين جونسون) يتداخل مع هيّ هيّ. نرى أن ماوي أنشأ الجزر على البحر للناس لكي يعيشوا عليها ويستكشفوها، مُرشداً إياهم إلى الأراضي التي يستوطنوها. الآن، تذكرْ أن هيّ هيّ يُمثل شعب الجزيرة، ونرى في لحظة ما الديك ينقر في مكان خاوي، مع العلم أن هناك كومة صغيرة من البذور كانت على جانبهِ، الديك على ما يبدو غافل عن الوجبة. ماوي، يرى هذا، فيُعطي الديك دفعة لطيفة، موجهاً هيّ هيّ إلى الغذاء، وهي الحركة التي لا تمثل فقط أفعاله السابقة في توجيه الناس إلى الجزر (حيث الغذاء الوفير) ولكن نظرة في المستقبل القريب أيضاً.

ولكن دعونا نتحدث عن العلاقة التي تربط بين الديك وموانا. في مشهد مبكر، عندما كانت موانا طفلة صغيرة، نرها تُقاد في هدهده إلى شواطئ الجزيرة فتُصبح فُضُولِيّة جداً بشأن المحيط، فيكاد يكون من المستحيل بالنسبة لها كَبح رغبتها في الذهاب إلى المحيط، لدرجة أن والدها يسحبها بنفسهِ بعيداً عن المحيط، حتى عندما تكبُر. وبالمثل هيّ هيّ يُصبح مشدوداً إلى الماء، قافزاً من القارب مراراً وتكراراً إلى الماء، وفي مشهد، عندما يكونون على الشاطئ، يُستدار ويمشي باتجاه أمواج البحر (ولكن يحملهُ المحيط عائداً بهِ إلى اليابسة).

يتم عرض جميع مشاهد الديك هذه مع فكاهة كبيرة بالطبع، وتُصور بشكل سطحي الديك كـغبي حقيقي، ولكن هناك نية خفية حول شخصية هيّ هيّ، نَشَاط وعزم الذي يُصور كـافتقار للذكاء، ولكن مُسَلّ بمهارة. في مشهد لاحق، نرى أن موانا على وشك فقدان القلب الحجري الأخضر في المياه ولكن هيّ هيّ فجأةً يقفز إلى الشاشة ويعض القلب وهو يطير في الهواء، حافظاً إياه من الهاوية المائية. هناك أمرين يجدر ملاحظتهم هنا: أولاً، هيّ هيّ يقضي الكثير من وقته يتم حشرهُ في حجرة صغيرة في جوف القارب، محاولاً الهرب منها مراراً وتكراراً، هذا المشهد يعكس حياة موانا الخاصة التي أُجبرت فيها على البقاء على جزيرتها، على الرغم من محاولاتها المتكررة للهَرَب. في هذه اللحظة، هيّ هيّ يخرج من حجرتهُ ويحفظ الحجر من الضياع في غياهب البحر، مُذللاً العقبة لِموانا كي تحقق مصيرها. يُمثل هيّ هيّ هنا مصير موانا. حيث خرجت موانا من “حجرتها الخاصة” في الحياة على الجزيرة، وفعلُها هذا سمح لها، بإيجاد شجاعتها. ثانياً، عض الحجر يعود بنا دائراً إلى أول مشهد التقينا فيه الديك، الذي عض وبلع فيه الحجر من قبل. ولكن هذه المرة، هيّ هيّ لم يبتلعُها، تعلمَ الدرس، أن قيمتهُ تكمن في مكان آخر. في المشهد الأكثر تعبيراً، عندما أنتهى الفلم، يرى ماوي هيّ هيّ يتم إرجاعه إلى الشاطئ بواسطة الماء نفسه، يعلن بشعور العارف: “الديك عاشَ”. وايضاً عاشَت موانا وشعبها. هيّ هيّ يحيا حرفياً إلى ما يعنيهِ أسمهِ، تمثيلٌ حي للتحديات الكبيرة وكسر نِظَامِيّةْ موانا والعالم الذي تعيش فيه.

ولعل أفضل جزء في فلم موانا هو أنه يعرف الاستعارات التي أنشأُها. في أنه يضع مشهد حيث نرى موانا الفتاة بشكل ممل قد كونت صداقة مع خنزير صغير رائع أسمه بوا كرفيق لها في القصة، وبالفعل، عندما يحين الوقت، عندما يتبين أن هيّ هيّ هو المتخفي على متن القارب، بينما نحن كُنا واثقين من أنه سيكون بوا. ولكن خابت توقعاتنا، نحنُ استبعدنا عرضياً من أن يكون الديك كان المقصود منه الترفيه الكوميدي غافلين عن الفكرة الأساسية. هيّ هيّ هو الصاحب الحقيقي ولهُ قيمة أكبر بكثير مما نعتقد.

 

ما هي أفكارك حول موانا، وهيّ هيّ، أو القصة نفسها؟

 

المصدر: اضغط هنا

 

[1]  ياغو هو واحد من الاوغاد الأكثر شره الذين ابتكرهم شكسبير، غالباً اعتباره شرير عائداً إلى الثقة الفريدة التي وضعها فيه عُطيل، والتي تستسقي هذا الشره من كونهُا تخون مع الحفاظ على سمعة ذات صدق وتفاني. شكسبير يُناقض ياغو مع نُبل عطيل ونزاهته.

[2]  https://www.youtube.com/watch?v=NFjz_rWWjJY

 

عن

شاهد أيضاً

كيف أصبحت الحياة كلها تنافسًا شديدًا ودائمًا؟

من مجلة (ذي أتلانتك) تنشر في عدد أيلول/سبتمبر 2019 ترجمة: ابراهيم العيسى تدقيق: عمر اكرم …

لا يحدث كل شيء لسبب

بقلم: نيكولاس كليرمونت ترجمة: رحاب الهلالي تدقيق: ريام عيسى تصميم الصورة: امير محمد ١١/حزيران / …