الرئيسية / تأريخ وتراث / إسرائيل والأكراد (1949-1990)

إسرائيل والأكراد (1949-1990)

صدرت هذه الدراسة عن المركز القوقازي للدراسات الإيرانية في مدينة يريفان– جمهورية أرمينيا ونشرت

في جامعة ليدن الهولندية  – منشورات دار برل.

عبد السلام طه ,مدون أثاري و مترجم من العراق

حقوق النشر والتداول للنسخة العربية حصرية للمترجم.

تقديم

نشرت مجموعة من الخبراء الإسرائيليين مؤخرًا نتائج بحثية؛ تعتمد على  تحليلات جينية تبيَّن من خلالها أن نسبة لا بأس بها من اليهود لها علاقة؛ ولو من بعيد؛ بأقارب ينتمون للأكراد. فبحسب هذه النتائج التي خرجت بها المجموعة البحثية؛ والتي ترأستها أرييلا أوبنهايم [1]؛ من الجامعة العبرية في القدس؛ فإن هنالك ثمة رابط جيني بين اليهود والأكراد لم يتم التعريف به وإعلانه سابقاً، كما حصل- مثلاً- بين اليهود وجيرانهم العرب الذين يشتركون معهم في إستخدام اللغات السامية الجذور.

وبحسب أرييلا أوبنهايم؛ فإن البحوث السابقة أظهرت وجود تشابهات جينية قوية بين اليهود والعرب، لأن تحليلات الحمض النووي (DNA) للأكراد لم تكن قد تمَّت بشكل نهائي. كما أشارت إلى أن الارتباط الجيني بين العرب واليهود، ربما يعود الى الاختلاط الذي جرى في فلسطين بين العرب واليهود الذين تحولوا الى الإسلام، لأن التشابهات بين اليهود والعرب من: سوريين ولبنانيين وعراقيين؛ أقل ممَّا هي بين: الفلسطينيين العرب واليهود. وبحسب المؤلفين؛ تمَّت هذه الدراسة إعتماداً على آخر ما توصلت إليه البحوث الجينية المتعلقة بموضوع مثل هذا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

3)  المصدر الاصلي بحسب البحث : A. Oppenheim, “High-Resolution Y Chromosome Haplotypes of Israeli and Palestinian Arabs

Reveal Geographic Substructure and Substantial Overlap with Haplotypes ofJews”, Hu-manG enetics,N. 107 (6), December 2000: 630-641.

يعتقد الباحثون والعلماء؛ أن اليهود الأكراد قد إنحدروا من أرومة شعوبية كانت قد استقرت في وقتٍ ما على الحدود بين العراق وتركيا [2],. وبالرجوع الى ذلك المقال؛ فإن هذا الخليط من الشعوب المنتشرة فيما بين العراق الحالي وتركيا؛ ربما يكون قد هاجر جنوباً أو غرباً باتجاه سواحل البحر الأبيض المتوسط. ويشير المؤلفون إلى أن الارتباط الجيني بين اليهود والأكراد (وإلى حد أقل مع الأرمن والإيطاليين)؛ يُثبت الرأي القائل بأن هناك ارتباطًا قويًّا بين اليهود والأكراد والأرمن، وأن أصول هذه الشعوب  أو القوميات الثلاث هي في الحقيقة تتبع منطقة شمال شرق البحر المتوسط. وبحسب الباحثة أوبنهايم، فإن الكروموسوم (Y) عند اليهود كان موضوع دراسة نُشرت في النشرة الأميركية للجينات البشرية (العدد 69 بتاريخ نوفمبر 2001)، وقد نُشرت أيضا في صحيفة “ها آرتس” الإسرائيلية في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2001 بعنوان “دراسة تثبت وجود ارتباطات جينية قوية بين اليهود والأكراد”[3]. وبالعودة إلى المقال؛ وبغضّ النظر عن المشروعية العلمية لهذه الحقائق الجديدة؛ فإن هذا البحث أصبح مثالاً للعلاقة الخاصة بين اليهود والأكراد على مدى قرون، ولهذا ما يؤيده بعد إعلان الدولة الإسرائيلية في العام 1948، إذ أصبحت هناك علاقات تاريخية مهمة باضطراد،تكوِّن خلفية للتطورات السياسية اللاحقة في الشرق الاوسط.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4) رغم أن هذه الفكرة تتقاطع مع الفكرة السائدة عن أصول القومية الكردية؛ المتحدرة من أواسط الهضاب الإيرانية التي استقرت بها الاقوام الميدية ؛ ومقرها  “همذان” الحالية والتي تعرف أيضا بأسم (أكبتانا),كما أن الجذر اللغوي  للفارسية والكردية واضح رغم وجود أختلافات في اللهجات المحكية ( انظر (G. Asatrian, “Die Ethnogenese der Kurden und fruhe kurdisch-armenischeK ontakte”,I rana nd the Caucasus,vo l. V (2001):4 7 et sq.).

5) المصدر : جريدة ها آرتس الاسرائيلية T. Traubman, “Study Finds Close Genetic Connections BetweenJews and Kurds”, Ha’aretz, 21 November 2001

ملخص تاريخي

تم استيطان المنطقة المعروفة اليوم بالعراق [4]؛ ولقرون؛ من قبل أقوام وشعوب مختلفة عرقياً ولغوياً ودينياً. فالمسلمون بأكرادهم وتركمانهم [5]عاشوا إلى جانب المسيحيين من: أرمن وآثوريين ويزيديين ويهود، وامتهن الأكراد واليزيديون وبعض الآثوريين واليهود؛ الرعي كأسلوب حياة في الجبال، بينما استقر الأرمن وبعض اليهود في المدن ومارسوا التجارة والأشغال والخدمات المالية والمصرفية والحكومية.

إن تاريخ المستوطنات اليهودية وانتشار اليهودية في المناطق التي تم استيطانها من قبل الأكراد موغل في القدم، يذكر العهد القديم؛ أن مملكة إسرائيل سقطت على يد الملك الآشوري شلمنصر[6] الثالث في العام 722 قبل الميلاد، وعلى إثر ذلك؛ تم توطين اليهود المقبوض عليهم أو المنفيين في منطقة ميديا في إيران وفي آشور وفي بقية أنحاء بلاد الرافدين. قام الملك البابلي الكلدي  (نبوخذ نصر الثاني)[7] بالتعاون مع الميديين؛ بغية تحطيم الإمبراطورية الآشورية ومحوها من التاريخ، ثم هاجم بعد ذلك مملكة يهوذا، وعليه فإن الكثير من اليهود, تم ترحيلهم إلى بابل والمناطق المجاورة لها في العراق القديم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

6)العراق اسم علم  يعني باللغة العربية المستوطن وبحسب المؤرخ اولمستيد فقد ورد في مدونات  العاهل الاشوري ارتا – توكلتي في القرن 12 ق.م أقليم  بالاسم ( اراقيا  أو اراكيا) فالاسم قديم وهو  ربما مأخوذ  بالاصل عن الاسم الاصلي  لمدينة الوركاء الحالية ( أوروك –اراك-  ايريك –  وهي ايريخ الواردة  بالتوراة )  وتعني علامتها المسمارية الصورية ايضا  المستوطن, وهي مدينة العاهل السومري  كلكامش والتي اكتشفت بها الكتابة لاول مرة  في التاريخ، المترجم

7)    تم أغفال مكون عرقي رئيسي  من أهل العراق من قبل الباحث وهم العرب ( مسيحيين و  مسلمين )  , ويجدر بالذكر أن غالبية تركمان العراق الحاليين  قد نزحوا أليه من اواسط اسيا قبل الإحتلال العثماني بقرون. المترجم

8) الاسم الاصلي كما ورد في النصوص الاشورية هو ( شيلمانو اشا ريد). وسياسة الترحيل التي اتبعها ملوك اشور كانت من اعراف الامم المحتربة أنذاك,المترجم

9) يلاحظ حصول خطأ بالتسمية من قبل الباحث حيث  أن من اتفق مع الميدين هو  ألعاهل نبو بلاصر ( مؤسس السلالة الكلدية ) وهو والد العاهل الشهير (نبوخذ نصر اثاني) و أسمه الاصلي بالبابلي :” نبو كودرو اوصر” الثاني  والذي حكم ما بين  605- 562 ق.م و اشتهر بفتوحاته  العسكرية الواسعة  وكذا  ترحيليه يهود فلسطين القديمة  ووطد اركان امبراطوريته البابلية الحديثة (الكلدية ) ، تمييزاً له عن نبو كودرو اوصر الاول  البابلي من سلالة آيسن الذي حكم  من 1126 – 1103 ق م. المترجم

حافظ اليهود البابليون على علاقتهم بإسرائيل وبأقاربهم طبعاً، وقد أعانوهم في نضالهم وصراعهم مع الإمبراطورية الرومانية التي كانت تحتل القدس. ففي أثناء فترة الاحتلال الروماني؛ انتفض اليهود  على الإمبراطور تراجان وتم السيطرة على هذه الانتفاضة من قبل الجنرال لوسيوس كويتوس، في

تلك الأيام، كانت منطقة بابل وبلاد العراق القديمة تحت السيطرة البارثية (الفارسية). وقد تمتع اليهود خلالها بنوع من الاستقلال والحرية.

1

( الصورة المقابلة : كردي يهودي، مجلة اسيا، العدد 36، 1937 )

وبحسب المصادر الرومانية والإغريقية، فإنه بعد احتلال فلسطين من قبل الملك الأرمني تيغران الأكبر ما بين العامين 83- 77 قبل الميلاد؛ تم ترحيل عدد كبير من اليهود إلى الأجزاء الجنوبية من أرمينيا أو السهل الأرمني بالقرب من شمال بلاد الرافدين، وتم توطينهم في منطقة أو مدينة تُدعى (تيجرانوكرتا) والتي كانت عاصمة أرمينيا التي أسسها تيغران الأكبر في أعالي نهر دجلة.

وبعد ذلك انحدروا نحو جنوب (تيجرانوكرتا) شمال بلاد الرافدين ( وهي اليوم ميافارقين في تركيا). كان البطاركة اليهود يمارسون طقوسهم وبث تعاليمهم داخل البيئة المحلية، في محاولة منهم لتغيير ديانة سكانها إلى اليهودية، وهذه المحاولة لم تفشل، والدليل على ذلك أنه في فترةٍ ما؛ كان معظم مَنْ في مدينة أربيل الحالية في شمال العراق قد تحوَّلوا إلى الديانة اليهودية، بحسب التلمود. فقد اعتنقت السلالة الحاكمة؛ سلالة حدياب (أو أدبابين) الديانة اليهودية،  بما في ذلك الملك إيزاتيس وابنه مونوباز وزوجته الملكة هيلينا. ويعتقد المؤرخون اليهود أن هذه السلالة قد حكمت في أربيل في منتصف القرن الأول قبل الميلاد وبداية القرن الأول بعد الميلاد، وأن اليهودية كانت منتشرة في تلك الأصقاع بكثرة، و تعتبر اليوم مناطق كردية. وكان الملك الحديابي أيضا يتقبل التعاليم المسيحية، وقد سمح بموضوع التنصير أو التبشير المسيحي. واستمر اليهود في العيش ككتلة سكانية كبيرة حتى منتصف القرن العشرين وتأسيس دولة إسرائيل. وكان اليهود الأكراد في مناطق شمال العراق يتحدثون الكردية، ويطلق عليهم  في إسرائيل (اليهود الأكراد) أو (يهود زاخو) أو (اليهود الآشوريون (؛ وتحديدًا في المعابد اليهودية أو الكنيس.

كانت لغة اليهود في تلك المنطقة هي الآرامية (السريانية)، لكن كانوا يتحدثون الكردية خارج هذه المنطقة، وبالرغم من أنهم عاشوا في إسرائيل لمدة نصف قرن، فإن بعض الأكراد اليهود كانوا ومازالوا يتحدثون بالآرامية، وجرت محاولات للمحافظة على اللهجة أو اللسان اليهودي الآرامي، كذلك فإن بعض التجمعات اليهودية الناطقة باللغة العربية في (نصيبين) مثلاً، تشكل جزءً من اليهود الأكراد، والكثير من العناصر الثقافية اليهودية والكردية كانت قد تداخلت؛ بحيث إن الكثير من الأساطير الشعبية اليهودية تشترك فيها الإثنية الكردية والعكس صحيح، كما أن البعض منهم يعتقد أن اليهود الأكراد هم إحدى الفرق الإسرائيلية أو العشائر الإسرائيلية الاثنى عشر، والتي تَعرف بالقبيلة التائهة، كذلك فإن بعض الأكراد يعتقدون برابطهم المباشر بالملك (سليمان). لقد كان الارتباط القوي بين الأكراد واليهود المحليين واضحًا في التاريخ المعاصر، ففي القرنين السابع والثامن عشر (الميلاديين)؛ قامت الدولة الصفوية بتهجير الكثير من القبائل الكردية باتجاه خُراسان؛ بغية تأمين الحدود الفارسية، وكان بعض هؤلاء من اليهود الأكراد. بعد ذلك مباشرة؛ قاموا بتأسيس تجمُّع سكاني له فعالية اقتصادية كانت هي إحدى المحفزات التي دعت الفرس إلى أن ينقلوا اليهود الأكراد إلى تلك المنطقة. كانت المرأة الكردية تتمتع نسبيا بنوع من الحرية في تلك الفترة، وقد أدى هذا إلى ظهور الراهبات أو القديسات اليهوديات الكرديات، على سبيل المثال القديسة ( أسيناث البارزاني ) [8] في القرن السابع عشر، وكانت ابنة الحاخام صاموئيل البارزاني (ت 1630م)، وهذا الحاخام أوجد الكثير من المدارس الدينية وحلقات الدراسة في المناطق الكردية؛ إلى درجة أن أسيناث أصبحت مديرة أو رئيسة لأكاديمية في الموصل. كما أن المقابر المشهورة ومقامات الأنبياء التوراتيين مثل: (ناحوم) في القوش، و(يونان) في النبي يونس (نينوى القديمة)، و(دانيال) في كركوك، و(حبقوق) في تركستان (تويزركان)، والملكة (أستير) و(موردوخاي) في همدان؛ كل هذه المقابر يتم زيارتها إلى اليوم، وتجد اهتمامًا بها من قبل اليهود، وهي في قلب المناطق المأهولة بالأكراد. كان اليهود الذين استقروا في المدن، قد امتهنوا وأجادوا الكثير من المهن كالصياغة والنجارة وأعمال الجلود والخشبيات، أما النساء فقد إشتهرت بنسج السجاد وغزل الصوف. أما اليهود في المناطق خارج المدن (أي القرى) فقد كانوا يمتهنون صناعة الخمور والزراعة (زراعة التبغ)، وكذلك الرعي. وفي حدود منتصف القرن العشرين، كان من المتعارف عليه إنتشار أصحاب المهن والفنيين والتجار في المناطق الشرقية التي تتحدث اللغة الكردية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

10) وردت في النص الاصلي بالاسم   Rabbi Asenath Barzani ,  و Rabbi Samuel Barzani  ,  P. 384, المترجم

في كتاب للدكتور بروير [9]؛ أستاذ الأدب التوراتي، يقول إنه كان في منطقة (أورمية) (300) يهودي؛ (120) منهم أصحاب محلات، و(100) كانوا باعة جوالين في كركوك، و آخرون كانوا تجارًا في العمادية، فالتجارة إذًا كانت هي الغالبة على المهن بين اليهود الأكراد. تذكر بعض المصادر الإسرائيلية المعتمدة على الإحصائيات العراقية حينها (بحسب إحصاء 1947م)؛ أن عدد اليهود القاطنين في المناطق الشمالية من العراق يُقدر بحدود 22 ألفًا و 618 نسمة، موزعين كالتالي: (3,109) في أربيل، و(4,042) في كركوك، و(10,345) في الموصل، و(2,271) في السليمانية، و(2,851) في ديالى.

إعتباراً من القرن السادس عشر؛ كانت فلسطين تعتبر إحدى المستوطنات اليهودية الثابتة، وقد بدأت هجرة اليهود الأكراد إلى فلسطين منذ ذلك الزمن، وكان اتجاه المهاجرين اليهود الأكراد نحو منطقتين؛ هما الجليل وصفد، وهاتان المحطتان تعتبران من المحطات المهمة لمعتنقي طريقة (الكابالا) الباطنية، ولمدة ثلاثة قرون بعد ذلك وإلى حد الآن.

في الفترة ما بين 1900 وحتى العام 1926، كان يُعتقد بوجود (1900) يهودي كردي قد هاجروا إلى فلسطين، لحق بهم ما مجموعه 2500 حتى العام 1935.

من الواضح أن أحداث الحرب العالمية الأولى؛ تمت عملية إسكان مجموعة صغيرة من الأكراد

يضاف إليها بعض الأقليات الأخرى من شمال العراق كالآثوريين واليزيديين والأكراد المسلمين،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

11) المصدر  E. Brauer, TheJ ews of Kurdistan(C ompleteda nd edited by R. Patai),W ayne State Univer-sity Press, 1993: 50., المترجم

2

الصورة المقابلة سيدة كردية يهودية ( المصدر والحقوق للصورة (SusanM eiselas,

وقد استقروا قي مناطق بالقرب من (تبليسي)؛ التي هي جورجيا السوفيتية حينها. وحين كانت تتم الإشارة إليهم؛ كانوا يسمونهم بـ(الكولاخ) ولا يُعرف أصل لهذه الكلمة. كان اليهود يسمون أنفسهم (سراييل) من (إسرائيل)، والبعض منهم ترك الاتحاد السوفيتي في منصف الثلاثينيات عن طريق تركيا وانتقل إلى فلسطين، لكن الأغلبية منهم بقوا في الاتحاد السوفيتي وفي جورجيا. وفي العام 1951؛ تم نقلهم إلى شرق كازخستان؛ بعد وفاة ستالين؛ ومنها  إلى إسرائيل، وقد تركوا في تلك المناطق التي قدموا منها تجمعات سكانية صغيرة.

في العام 1980؛ لم يتبق أكثر من 2000  كردي يهودي في الاتحاد السوفيتي وأغلبهم منتشرون في (تبليسي) و(الماتا).واعتباراً من 1920؛ قامت جمعية أو اتحاد ما يسمى بـ”أليانز إسرائيلي يونيفرسال” (الجامعة الاتحادية الإسرائيلية)؛ بفتح مدارس في المناطق المأهولة بالأكراد في (ساني) 1903، وفي كرمنشاه 1904، وفي الموصل 1907، وفي خانقين 1911، حيث كانت هذه المدارس تقوم بتقديم برامج تربوية متخصصة لليهود الأكراد، وأخذت مناهجها أيضًا بعين الاعتبار الأكراد من غير اليهود، وأدَّى هذا إلى تخرج الكثير من الناس الذين استفادوا من هذه البرامج، واستمرت هذه النشاطات من فترة السيطرة العثمانية وحتى تأسيس دولة إسرائيل.

كان اليهود العراقيون متمركزين في المناطق الرئيسية من البلاد، وقد لعبوا دورًا مهما في الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية آنذاك،  وأثر مساعدة بريطانيا للعراق في الحصول على استقلاله في سنة 1932، حافظ اليهود العراقيون على مكانتهم في المجتمع العراقي تحت سلطة الملك فيصل الأول، إذ لعبوا دورًا كبيرًا في مجال الأعمال، واعتلى بعضهم مناصب في الحكومة. كانت أولى مظاهر اللاسامية في العراق قد تم تسجيلها في أواخر الثلاثينيات؛ عندما بدأ العملاء الألمان الذين يعملون داخل العراق ببثَّ شعارات نازية، ثم أصبح اليهود هدفًا للحكومات العربية؛ اعتباراً من الحرب الفلسطينية- الإسرائيلية للاستقلال ما بين 1948- 1949, فالعديد من الطلاب اليهود تم فصلهم من الجامعات والمدارس، وتم إحالة الكثير من الموظفين للتقاعد من وظائفهم، وتم القبض على البعض الآخر، ووجدوا أنفسهم في حالة اقتصادية صعبة. وبسبب هذه التضييقات بدأ اليهود يهاجرون باتجاه إسرائيل. ولأن الخروج مباشرة باتجاه إسرائيل كان ممنوعاً في تلك الفترة؛ فقد كانوا يقومون بالتعاون مع المهربين عبر الحدود.  في آذار 1950، شرَّع البرلمان العراقي قانون الهجرة إلى إسرائيل مباشرة وبشكل رسمي، وعلى إثره خرج الكثير من اليهود العراقيين باتجاه إسرائيل دون مقتنياتهم أو ممتلكاتهم. وفيما بين العامين 1948- 1952؛ ترك الكثير من الأكراد اليهود العراقيين العراق واستقروا في دولة إسرائيل الجديدة، لكنهم حافظوا على نسق وأسلوب الحياة وعلى الخصوصية الثقافية للأكراد منهم، وكان هناك اعتبار لموضوع الطقوس الكردية؛ من عطل وأعياد؛ كعيد النوروز مثلا؛ والاحتفاليات الفلكلورية، وكانت لهم بعض النشرات الصادرة باللغة الكردية. أدى هذا كله إلى نتيجة؛ هي اعتبار أن انتقال اليهود الأكراد إلى إسرائيل هو نجاح يسجَّل للحركة الصهيونية؛ على أساس أن الخصوصية الثقافية لهؤلاء اليهود الأكراد قد تم الحفاظ عليها من التشظي في بلدانها الأصلية، وهذا يسير عكس موضوع رفض الصهيونية كحركة؛ باعتبارها حركة عنصرية، لكن من وجهة النظر الإسرائيلية هي حركة حافظت على المشروع الثقافي الإسرائيلي بشكله العام.

في واقع الأمر تعتبر الجالية اليهودية في العراق؛ البالغ عددها ما بين (120- 130) ألفًا بحسب إحصائيات مختلفة؛ إحدى أقدم الجاليات في المنطقة إن لم تكن هي الأقدم باعتبار أنها- كما ذكرنا آنفًا- تعود إلى فترة السبي الآشوري ومن ثم  الكلدي البابلي؛ فإن هذه الجالية المتبقية خرجت أو (هاجرت) بكليتها نحو إسرائيل، في البداية كانت طريقة التهريب عبر الحدود، وبعد تشريع التهجير أو الهجرة الرسمية؛ خرجوا بشكل رسمي. لذلك حينما يتم طرح موضوع الصهيونية كأيديولوجية؛ نجد أنها في الحقيقة قد أسهمت في إنشاء دولة إسرائيل؛ ومن ثم الحفاظ على الموروث الثقافي الإسرائيلي بشكله العام من قبل القوميات المختلفة التي تدين بالديانة اليهودية كالأكراد مثلاً، إذ سمحت لهم بالانتقال إلى بيئة تحافظ على خصوصيتهم وتحافظ على موروثهم الثقافي بعد أن كانوا يستشعرون التهديد جراء الأحداث السياسية والعسكرية الناجمة عن إعلان دولة إسرائيل. وقد قرر حوالي خمسة آلاف يهودي؛ ولأسباب مختلفة؛ أن يبقوا في العراق بالرغم من تشريعات الدولة العراقية حينها، بينما إنتقل أغلب اليهود الأكراد إلى إسرائيل. بعد حرب الأيام الستة في 1967 خرج أغلب المتبقين باتجاه إسرائيل أيضاً عن طريق المنطقة الكردية، وقد  ساعد الأكراد العراقيون بقية اليهود في العراق على الانتقال إلى إسرائيل والاستيطان فيها؛ كما هو حال الجالية اليهودية في زاخو؛ التي هاجرت وبشكل تام من تلك المنطقة باستثناء بعض اليهود الأثرياء الذين اختاروا البقاء في زاخو والتحول إلى الدين الإسلامي لأنهم كانوا سيفقدون ممتلكاتهم وثرواتهم في العراق في حالة الهجرة إلى إسرائيل.

إحدى أكثر المواضيع الشائكة خلال فترة أو عملية التهجير والنقل، أن الوكالات اليهودية كانت قد خططت لنقلهم عن طريق البحر من البصرة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي، لكن هذه الخطة لم يكن في الإمكان تطبيقها بسبب حالة الحرب الرسمية المعلنة بين إسرائيل والعراق؛ وكذلك بسبب مصاعب انتقالهم عن طريق البحر الأحمر عبر مضايق تيران في مصر، ولذلك كان الوصول إلى ميناء إيلات  شبه مستحيل. وقد سمحت الحكومة العراقية؛ ومن جهتها؛ بخروج اليهود من العراق بشرط الاتجاه إلى ميناء جوي أو مطار لدولة أخرى ومنه إلى إسرائيل وليس مباشرة إلى إسرائيل؛ كجزء من المقاطعة العربية لها. كانت العملية التي تم فيها نقل أو تسهيل نقل اليهود جوًّا؛ قد سميت اصطلاحا بـ(علي بابا)، فقد تم نقل  حوالي (113) ألف يهودي إلى إسرائيل عن طريق قبرص؛ في الفترة ما بين حزيران 1950، وحتى كانون الأول 1951، كما أن بعض اليهود الأكراد من المناطق الشمالية الكردية قد  تركوا العراق عن طريق إيران وتركيا؛ ليصل العدد الكلي لليهود الذين خرجوا من العراق إلى ما يقرب من (121) ألف.

في إسرائيل؛ عانَى اليهود الأكراد كثيرًا من المشاكل والمصاعب، فبالإضافة إلى المشاكل الطبيعية في التوطين والاستقرار في بلد جديد، فإن عشرات الآلاف منهم؛ الذين انتقلوا الى بيئة جديدة مختلفة عن بيئتهم الحاضنة الأصلية؛ كانوا قد فقدوا مهنهم وممتلكاتهم وتم إجبارهم على أن يتعايشوا مع تجمعات بشرية من خلفيات ثقافية أخرى مختلفة. ومن المتعارف عليه في المجتمع الإسرائيلي؛ أن هناك من يدعون بالإشكناز، أي اليهود الأوربيين أو القادمين من أوروبا، وقد شكل هؤلاء النسبة الأكبر من الموجودين في إسرائيل، وكانوا قد انتقلوا اليها من أوروبا، وكان الإشكناز القادمون من الغرب- حتى بعد ما جرى في أيام ألمانيا النازية بخصوصهم- قد تجاوزوا أعداد اليهود الآخرين في إسرائيل، لذلك فدولة إسرائيل فعلياً قد قامت على أكتاف يهود الإشكناز الأوربيين الغربيين، وهم من قاموا بالإدارة وبناء الدولة سياسياً وثقافياً واجتماعياً.

داخل إسرائيل؛ حدثت أنواع من الاختلافات والتقاطعات بين الغربيين الإشكناز والشرقيين المقصود بهم (السفرديم). كانت لهذه التقاطعات والاختلافات مسبباتها اللغوية والثقافية؛ بالإضافة إلى الأبعاد الأخرى المتعلقة بالوطنية والهوية الاجتماعية؛ إلى غير ذلك. وبهذا الخصوص؛ كان اليهود العراقيون- والأكراد منهم- يعتبرون أنفسهم الأرومة الأكثر أصالة من البقية؛ باعتبارهم منحدرين من يهود السبي الآشوري والكلدي، لذلك فقد كانوا يتميزون بالثقافة والتدين، كما كانوا أيضاً أرستقراطيين، لما كان لهم من مكانة في المجتمع العراقي، ثم انتقلوا إلى الحاضنة الجديدة في إسرائيل ليجدوا أنفسهم تحت رحمة اليهود الغربيين، لذلك كان من الصعب عليهم تقبُّل الهيمنة الإشكنازية في الدولة الجديدة، وأصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية، بسبب تهميش وكسر شوكة هؤلاء القادمين الذين يتحلون بأخلاق بسيطة عفوية باعتبارهم قادمين من بلاد أبناء العم؛ المقصود بهم الدول المجاورة لإسرائيل، والحديث هنا عن نظرة الإشكناز إلى السفرديم، أي نظرة الغربيين إلى الشرقيين. بالإضافة إلى هذا؛ فإن اليهود الأكراد كانوا يتمتعون بميزة التسامح الديني وتقبل الكردي المسلم، وكان من المقبول حصول زيجات بين الطرفين.

بعد عقود من الحياة في إسرائيل؛ لا يزال اليهود الأكراد محتفظين بذاكرة نوستالجية قوية لبلدهم الأم. وأحد أوضح الأمثلة بهذا الخصوص، فيلم وثائقي بعنوان  (أنس بغداد – Jews and Arabs – The Iraqi Connection (2002)) ؛ والذي تم طرحه في إسرائيل سنة 2003. يستمر الفيلم لمدة (111) دقيقة، ومخرج الفيلم  يدعى سمير؛ ولد في سويسرا؛ وهو من اصل عراقي، يهودية وأب مسلم.

يتحدث هذا الفيلم عن أربعة يهود أكراد يعيشون في إسرائيل لكنهم على ارتباط بلغتهم وثقافتهم وتقاليدهم. ويدور حول موضوع التركيبة الصعبة للهوية، الشخصية اليهودية الشرقية (مزراحيم): هؤلاء الذين تم توطينهم في دولة جديدة يحكمها يهود الإشكناز الغربيين. وعلى الرغم من أن الفيلم وثائقي ويركز على الفكرة النوستالجية والعزلة الثقافية لليهود الأكراد في إسرائيل الحديثة؛ فإن جزءًا من الفيلم مخصص لأعمال (إيلا حبيبة شوحط)، وهي من نقاد السينما الإسرائيليين، تقطن نيويورك وتحلل ما يطلق عليه “بروباغاندا المزراحيم أو السفرديم”  في السينما الإسرائيلية الحديثة ولها كتاب صدر في عام 1989 بعنوان (السينما الإسرائيلية: الشرق/الغرب، السياسة والتمثيل)، ويركز حول هذه الجزئية بالذات. وقد لعب اليهود الأكراد دورًا كبيرًا في موضوع علاقات إسرائيل بالأكراد في سوريا والعراق وإيران وتركيا، لكن باعتبار أن هؤلاء اليهود الأكراد قادمون من العراق حصراً؛ كان لهم ارتباطات بأكراد المنطقة التي قدموا منها، ونقصد بهم المسلمين الذين يقطنوها الآن، ولهم علاقات ثقافية واجتماعية معهم، لذلك كانوا هم الرابط بين الدولة الإسرائيلية والأكراد في العراق، ويتم التعامل مع هذا الموضوع من وجهة نظر المجتمع الإسرائيلي على أنه علاقة إثنو- سياسية، أي إثنية وسياسية. وقد فُتحت في الستينيات صفحة جديدة للعلاقات بين الأكراد واليهود في إسرائيل، هذه الصفحة ظهرت على السطح بعد ظهور بعض الاحتكاكات المسلحة بين الأكراد في شمال العراق وقوات الجيش العراقي، انتهت بظهور ما يدعى الحرب المسلحة الكردية، وانتشرت منها إلى تركيا وإيران وسوريا. والكثير من المؤرخين يؤيدون أو يكررون أن الاتحاد السوفيتي سابقاً، هو أحد المحركين الأساسيين لموضوع انتفاضة الأكراد في منتصف الستينيات. ففي منتصف الأربعينيات؛ تأسست دولة أو جمهورية (ماهاباد) في الجزء الشمالي الغربي من إيران، وقد تم التعامل معها عسكرياً من قبل بريطانيا ومحوها من الوجود، حيث تم قتل أغلب القائمين عليها فيما عدا الملا مصطفى البارزاني وألفي مقاتل؛ فقد استطاعوا الهرب وكسر الحصار والإتجاه عبر الحدود الإيرانية واللجوء إلى أذربيجان السوفيتية حينها. هناك تم استقبالهم كأصدقاء ولم يتم التعامل معهم كلاجئين إنسانيين أو هاربين وإنما كلاجئين سياسيين.

في العام 1952؛ واثر تفعيل خطة ستالين بفرض التنقلات للشعوب المختلفة داخل الاتحاد السوفيتي، تم نقل هؤلاء اللاجئين الأكراد من أذربيجان إلى أوزبكستان، وتوطينهم في منطقة بعيدة خارج طشقند، لأنهم اعتبروا جزءًا من (القولاغ) وإدخالهم في معسكرات للتدريب. وقد دخل مائة من هؤلاء الأكراد فيما يُدعى بالمدرسة العسكرية لطشقند وكوَّنوا فوجًا، وفرقًا خاصة لحرب العصابات، وتعلَّم مصطفى البارزاني والكثير من قادته اللغة الروسية وتم قبولهم للتعليم والتدريب في المدرسة العسكرية أو الأكاديمية العسكرية في (فرونزا).

3

الصورة المقابلة :القادمون الجدد من شمال العراق

عائلة كردية – يهودية مطار  اللد ، قرب تل ابيب

حقوق الصورة : Susan Meiselas, ibid.: 197

في العام 1957، كان اللاجئون الأكراد الذين تم تدريبهم في طشقند وتشيرتشيك؛  قد أنشأوا فوجًا من القوات الخاصة تحت إمرة مصطفى البارزاني وتم إرسالهم سراً نحو العراق. سيشكل هؤلاء النواة الأساس من القادة الذين قاموا بحرب التحرك ضد الحكومة المركزية فىي بغداد. وقد حازت هذه النجاحات لأكراد العراق ضد حكومة بغداد اهتمام المخابرات الإسرائيلية واعتبرتهم في حينها حلفاء مهمين ومفيدين في الحرب الاستراتيجية ضد العرب؛ في سوريا والعراق خصوصا، باعتبارهم ألدّ أعداء إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.

في أواخر العام 1950؛ أقرَّت الحكومة الإسرائيلية؛ بناءً على هذه التطورات والنجاحات للفصائل المسلحة الكردية في شمال العراق؛ برامج أو استراتيجية تتعلق بدور الأكراد في الصراع الجيوسياسي في الشرق الأوسط. اعتمدت السياسة الأمنية القومية للدولة الإسرائيلية على عاملين مهمين: الأول هو الإصرار على دعم القوى العظمى. والثاني هو الاعتماد على السياسة الجديدة

التي أقرتها والتي أطلقت عليها (الإستراتيجية المفضلة , نظرية التحالف والاحتواء –

Preferable Strategy-Theory of Allying the Periphery) ؛ والتي تعتمد على الأقليات ودول المحيط العربي الذي يشكِّل طوقًا حول إسرائيل. على الرغم من هذا لابد من الإشارة إلى أن هذه السياسة  في الحقيقة خارجة من رحم الأيديولوجية الصهيونية. فقبل الإعلان الرسمي عن دولة إسرائيل- وهو ليس سرّا- بدأت المباحثات والنقاشات والاتصالات بين الحركة الصهيونية والأكراد في حدود العام 1930. وقد قال ثيودور هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، في حدود عام 1904؛ إن الأرض الموعودة يجب أن تمتد من مصر حتى الفرات (وردت في المذكرات الكاملة، الجزء الثاني- الصفحة711). وأعلن الحاخام فيشمان (Rabbi Fischmann ) ؛ عضو الوكالة اليهودية في فلسطين؛ في تصريحه أمام عصبة الأمم في العام 1947؛ أن الدولة الموعودة تمتد ما بين نهري النيل والفرات وتضم أجزاء من سوريا ولبنان. كان الأكراد على الدوام في ذهن المفكر الصهيوني وخططه في الشرق الأوسط، فما أن تم تأسيس الدولة الصهيونية/ اليهودية حتى  جرى الاهتمام بالقوميات الاخرى؛ وبصورة خاصة الكردية المنتشرة فيما بين إيران وتركيا؛ وكذلك في سوريا والعراق. يقول البروفيسور (صالح عبد الجواد) أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية؛ وهو أحد المحللين العرب؛  إنه بنهاية عام 1930 كان بن غوريون قد أعلن وفصَّل بعض الأهداف والمبادئ التي أصبحت قانون الدولة الإسرائيلية التي تم إنشاؤها في الشرق الأوسط. أولى هذه التوصيات, أن العرب هم العدو الأساسي للحركة الصهيونية، ولكي تهاجم عدو كهذا فمن المهم على الحركة الصهيونية البحث عن حلفاء في الشرق والوقوف مع حلفائها في الغرب، لذلك يعتبر أن أي مجموعة أو منظمة أو عنصر قومي يعارض العرب والقومية العربية التي هي العدو الأكبر لليهود ومستعد أن يحارب ضد العرب؛ يعتبر حليفًا لأنه يُعين الدولة الصهيونية على أمرها. التوصية الثانية: أن الشعب اليهودي الذي عانى من الإرهاب والظلم من كافة الحكومات؛ وعلى الأخص الدول العربية؛ يجب أن يتم اعتبار الأقليات القومية والعرقية التي مورس عليها ذات الظلم؛ ربما من قبل العرب؛ حلفاء للحركة الصهيونية. هذه المبادئ شكَّلت الأساس ل ( الستراتيجية المفضلة – نظرية التحالف والاحتواء).

بعد إنشاء دولة إسرائيل؛ حاول بن غوريون أن يوسِّع سياسته هذه، وركز اهتمامه على تأسيس شراكة استراتيجية مع تركيا وإيران وإثيوبيا؛ التي دُعيت بالإنكليزية (Encir-clement Theory )، رغم أن هذه المشاركات أو التحالفات صممت لإضعاف سوريا والسودان ولبنان ومصر؛ وكانت تعتبرها جميعًا أعداء؛ لكن الهدف الرئيسي لهذه السياسة كان العراق. فمن المهم إيقاف الخطر القادم؛ أو الممكن قدومه؛ من العراق. وتأسيسًا على هذا، فإن المسؤولين الإسرائيليين قاموا بإنشاء علاقات مع الحركة الكردية في العراق، لكن من المثير للدهشة أنها فشلت في أن تفتح قنوات للتواصل مع الأقباط المصريين، بسبب استمرارية الدولة المصرية في سياسية (الوحدة الوطنية)، لذلك كان للأقباط دور وطني كبير في هذا المجال، ولازال الحديث عن ذلك للدكتور صلاح عبد الجواد.

في العام 1948، بعد تأسيس إسرائيل كان هناك نوع من التردد في تشجيع وفتح قنوات اتصال مع الحركات العِرقية للأقليات في المنطقة، بسبب الصعوبات المالية وعدم قدرتها على القيام بذلك في تلك الفترة. وقد  أوضحت وزارة شؤون الخارجية الإسرائيلية في بيان لها عن السياسة الإسرائيلية للأقليات العرقية، ومنهم؛ في هذه الحالة؛ الأكراد في الدول العربية. تقول التوصية: مبدئياً نحن نعتبر أنفسنا ممنوعين من التصريح، لأننا لم نهدم جميع الجسور مع الأكثرية العربية في الشرق.

تعود الاتصالات بين المنظمات اليهودية والأكراد إلى أواخر 1930، حيث تمت هذه الاتصالات بمبادرة من الحركة الصهيونية والمخابرات الصهيونية وعميلها (روبين شيلوخ)، أحد المؤسسين أو آباء استراتيجية  التحالف والاحتواء المفضلة التي تم الحديث عنها.

شيلوخ؛ الذي عاش في بغداد في تلك الفترة؛ قام بإنشاء شبكة مخابرات، وأنشأ كذلك علاقات مع الأكراد في الشمال، هذه العلاقات التي أنشأها معهم كانت في أواخر الأربعينات، وأصبحت هي حجر الأساس في مساعدة يهود العراق للوصول إلى فلسطين من شمال العراق عن طريق تركيا وإيران بمساعدة أكراد العراق. فيما بين أواخر 1950 وبدايات 1960؛ صارت إسرائيل أحد الممولين الأساسيين للسلاح والتدريب العسكري للأكراد في حربهم مع الحكومة المركزية في بغداد، رغم أن الكثير من التفاصيل لم يتم الإعلان عنها؛ لكن الكثير من المصادر تعتقد أن عملاء الموساد (المخابرات الإسرائيلية) والعسكريين الإسرائيليين كانوا يتنقلون في شمال العراق تحت مسميات وظيفية مختلفة، كمستشار عسكري أو خبير زراعي أو مدرب أو طبيب أو لتقديم خدمات إنسانية. والتقارير عن عمليات الموساد في العراق ودعمهم للأكراد تم تسريبها عن طريق دوائر الصحافة الإقليمية والعالمية. ونشر فيكتور أوستروفسكي؛ الذي كان عميلاً للموساد في شمال العراق وفي بغداد أيضاً؛ كتابًا تم إلقاء الضوء فيه على بعض العمليات والنشاطات التي لم يكن من المسموح تداولها أو الإعلان عنها في تاريخ المخابرات الإسرائيلية. كان الموساد قد استخدم وبشكل مستقل متطوعين من منظمة العفو الدولية  (أمنيستي إنترناشيونال) وهي المؤسسة العالمية التي تتداول موضوع اللاجئين والنشاطات الإنسانية، ومنظمات إنسانية أخرى. حيث قام الموساد بتطبيق كافة الوسائل الفيسيولوجية في موضوع الحرب النفسية والإعلامية، كما قام أيضاً بتدريب العناصر العراقية ووكلائهم في العراق عن طريق الابتزاز والتفخيخ والقتل وتصفية عناصر الأمن العراقية. وفي الفترة ما بين 1965- 1975؛ إستمرت إسرائيل بتجهيز أكراد العراق بمختلف أنواع الأسلحة، وساعدت أيضا الحزب الديمقراطي الكردستاني أو (البارتي) في إنشاء مجموعة اتصال مشتركة لتبادل المعلومات المخابراتية دعيت باسم (البارتسان)، وكان ذلك في أواخر عام 1960. وأحد الأسباب التي جعلت عمليات المخابرات الإسرائيلية في شمال العراق مهمة جداً في إسرائيل؛ هو أنها كانت تُسهم في الجهد الكردي باتجاه الحرب مع القوات العراقية والحكومة المركزية في بغداد أو الحكومة البعثية بعد عام 1968.

في 10 حزيران 1963؛ بدأت بغداد بعملية عسكرية ضد الأكراد في شمال العراق وسوريا، تم تنبيهها، فساعدت سوريا العراق في هذا الموضوع بمحاربة العصابات الكردية بقيادة الملا مصطفى البارزاني في حينها. وكان رئيس وزراء سوريا (صلاح الدين البيطار) قد صرح أن سوريا ستقوم بمساعدة الحكومة العراقية عسكريا في حربها ضد الأكراد، قامت القوات السورية وبالاتفاق مع حكومة بغداد في عام  1963؛ والتي كانت تدعى بالحكومة البعثية الأولى حينها؛ بعمليات عسكرية وجوية شملت الموصل وزاخو ودهوك. كانت الفكرة في بداية الستينيات بعد سيطرة الجناحين اليميني واليساري من حزب البعث على مقاليد السلطة والحكم في العراق وسوريا؛ أنْ يحصل بينهما نوع من الوحدة. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 1963 تشكَّل نوع من التحالف واتفاقية بتشكيل قوات عسكرية مشتركة وتم توقيع الاتفاقية في دمشق. وتم تعيين وزير الدفاع العراقي حينها الفريق (صالح مهدي عماش) القائد المشرف على هذه القوات المشتركة العراقية والسورية، لكن وبعد فشل الوحدة المفترضة بين العراق وسوريا، جابهت القوات السورية مقاومة كردية قوية في شمال سوريا وانسحبت من المناطق المأهولة بالأكراد، وكان هذا نتيجة الدعم الإسرائيلي للأكراد العراقيين، الأمر الذي أدى إلى سحب الجيش السوري من الحدود مع إسرائيل ودفعه باتجاه الموصل ودهوك. وفي الوقت نفسه؛ خفَّفت عملية مشاغلة الأكراد للجيش العراقي من الضغط على حكومة بغداد البعثية عام 1973 للمشاركة في الحرب ضد إسرائيل؛ لأن المشاركة كانت تتطلب سحب بعض القوات العراقية من المنطقة الكردية شمال العراق ودفعها باتجاه إسرائيل.

قامت الأستاذة (أوفرا بينغو) من قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب؛ والمختصة بالدراسات العراقية؛ بتقديم وصفًا للعون الذي قدمته إسرائيل لأكراد العراق، فعلى الرغم من ضيق الوقت، كانت هذه المعونة تشكل تقديمًا لنظرية الاتفاق الإيراني/ الإسرائيلي أو نظرية المؤامرة الإيرانية/ الإسرائيلية/ الأميركية تجاه العراق، كما أثبتت للعراق أنه بالرغم من عدم وجود حدود مباشرة بينه وبين إسرائيل؛ كان من الممكن أن يدفع ثمنًا وينزف الكثير جراء تدخله في الصراع بين العرب وإسرائيل. ولذا يعتبر دعم إسرائيل للأكراد بمثابة زعزعة لاستقلال ووحدة الأراضي العراقية، أما بالنسبة للعراق فإن هذا الدعم الإسرائيلي للأكراد كان يعتبر بمثابة إنشاء لإسرائيل أخرى ثانية في شمال العراق.

في أوائل خمسينيات القرن الماضي، عمل الموساد (وكالة المخابرات الإسرائيلية) مع وكالة المخابرات الأميركية (CIA) على إنشاء ما يدعى (السافاك) في إيران؛ وهي قوات الأمن والمخابرات الإيرانية في فترة الشاه (الشاهنشاهية)، وأدى هذا إلى ظهور تعاون قوي بين إسرائيل والأميركان والإيرانيين مخابراتيًّا. وأصبح هناك نوع من تبادل المعلومات المباشر. وقد كانت إحدى أولوياته الواضحة دعم المقاومين الأكراد الذين يحاربون الدولة المركزية في بغداد. إنتهى هذا التعاون عام 1975، عندما سحبت إيران يدها من هذا الموضوع بعد اتفاق الجزائر الشهير الذي تم بموجبه؛ وبشكل رسمي؛ منح نصف شط العرب أو الاعتراف بخط التالوك (ويمثل أوطأ نقطة في قاع الشط) بين إيران والعراق. يذكر التقرير الذي صدر في العام 1979 من قبل وكالة المخابرات المركزية على ملاحظات الموساد، إن الهدف الأساسي من علاقة إسرائيل بإيران كان لتطوير العلاقات الإسرائيلية مع الدول غير العربية وإنشاء ودعم سياسة ضد العرب. دخل الموساد في عمليات مشتركة مع السافاك لسنوات، فمنذ أواخر الخمسينيات ساعدت السافاك الأكراد في العراق كثيرًا. ونقل الإسرائيليون؛ وبشكل منتظم؛ للمخابرات الإيرانية تقارير عن دور مصر في الدول العربية وما يحصل في العراق والنشاطات الشيوعية التي قد تؤذي إيران. ولعب الملحق العسكري في طهران (ياكوف نمرودي)؛ خلال فترة حكم الشاه؛ دورًا مركزيا مهمًّا في علاقة إسرائيل مع السافاك؛ بالاتصال المباشر وتأمين قنوات الاتصال مع أكراد العراق في جزئه الشمالي. ويتذكر بعض أعضاء جهاز المخابرات الإسرائيلي المتقاعدين والسياسيين منهم أيضا؛ وبكل فخر؛ الفترة الممتدة لعشر سنوات حينما كان الإسرائيليون يدربون ويسلحون الأكراد في شمال العراق لمساعدتهم في الحرب ضد الحكومة المركزية في بغداد، “كان لدينا اهتمام استراتيجي لمساعدة الأكراد في العراق، لأن العراق كان عدواً لنا، وكذلك لأسباب إنسانية اعتبرنا هذا التعاون ضروري. “لقد أعجبنا الأكراد”؛ كما قال (أليعازر سافريف)؛ وهو مسؤول كبير في جهاز الموساد الإسرائيلي. وبحسب السيد أليعازر؛ فإن إسرائيل أبقت على المستشارين العسكريين لدى الملا مصطفى البارزاني من عام 1968 وحتى 1975، وتم تدريبهم وتجهيزهم بالأسلحة الخفيفة والمعدات ومضادات الطائرات، بالمقابل تسلمت إسرائيل تقارير مخابراتية عما يحدث في بغداد، فقد كان لدى الأكراد شبكة مخابرات جيدة تراقب ما يحدث للجيش العراقي وتعتمد على الضباط الأكراد الذين خدموا في الجيش العراقي ومن ثم غادروه ليعملوا مع جماعة الملا مصطفى البارزاني، وكان للولايات المتحدة الأميركية دور في هذه العملية أيضاً.

444444444444444

زيارة الملا مصطفى البرزاني الى اسرائيل 1968   (حقوق الصورة : ويكيبيديا – دائرة معارف الانترنت )

استثمرت إسرائيل عشرات الملايين من الدولارات في دعمها للأكراد في العراق، عبر تجهيزهم وتسهيل حصولهم على أراضٍ في إيران؛ والتي كانت في حالة صراع مع حكومة بغداد منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979.

ولم يتم هذا الدعم الإسرائيلي للأكراد خارج الحدود العراقية أو خارج نطاق أكراد العراق، فلم يشمل أكراد تركيا ولا إيران على سبيل المثال، ولذا فإن جهاز الموساد الإسرائيلي يصف جماعة الـ (P.K.K) الكردية في تركيا بأنها جماعة إرهابية محظورة، فأكراد تركيا إرهابيون بينما أكراد العراق مُحرِّرون. والذي يدعو للتساؤل أن المخابرات الإسرائيلية باتفاقها مع المصادر الكردية والسافاك وعملاء السافاك، حصلت على معلومات غاية في الأهمية عن المشروع النووي العراقي المعروف (تموز واحد) واستطاعت؛ بعد جمع هذه المعلومات؛ أن تقوم بنجاح بإصابة الهدف بتدمير هذا المشروع ومفاعله ( أوزيراك) في حزيران 1981.

في العام 1996، نشرت صحيفة (يديعوت أحرونوت الإسرائيلية) فصولا من كتاب الصحفي (شلومو نكديمون) المعنون “أمل بلا أمل: صعود وسقوط الحلف الاسرائيلي- الكردي”، والذي يعطي تفاصيل عن النشاطات المخابراتية المختلفة التي عملت في العراق، ومن ضمنها اعترافات لخمسة مدراء من الموساد، مما يلقي الضوء على طبيعة العلاقات الإسرائيلية– الكردية. وبحسب اتفاقية الجزائر الموقعة بين العراق وإيران في العام 1979؛ تنازلت حكومة بغداد عن بعض من سيادتها على أراضي العراق مقابل أن توقف إيران دعمها للأكراد الذين يمارسون الفوضى في شمال البلاد، وعلى إثر هذا لم تستطع إسرائيل بعد ذلك إستخدام الأراضي الإيرانية لتجهيز المعدات للأكراد في شمال العراق، وبهذا تم سحق الجهد الكردي هناك؛ والذي كان الملا مصطفى البارزاني يقوده حينها. وبحسب هذا الكتاب؛ فإن دعم إسرائيل لأكراد العراق قد توقف نهائيًّا وبشكل تام بعد الثورة الإيرانية في العام 1979. إذ بعد هذه الثورة، عملت المخابرات الأميركية والموساد ضد إيران، فأصبحت جهودها ضد إيران من داخل الأراضي العراقية، وتركيا أيضاً. وقد أثبتت الوثائق المتعلقة بالأكراد من السفارة الأميركية في طهران؛ تعاونًا كهذا وخطة أميركية/ إسرائيلية للتحرك ضد النظام الجديد في إيران بمعونة الأكراد الإيرانيين. هذه الوثائق تم العثور عليها بعد حادثة حصار ودخول المحتجين إلى السفارة الأميركية في طهران عام 1979.

لا تزال إسرائيل في حالة عزلة وسط الدول العربية، لكنها لم تتوقف حتى اليوم عن موضوع دعم الأكراد والأقليات العِرقية والدينية.

في شباط 1982، نشر القنصل السابق في وزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية؛ عوديد يحنون؛

مقالة بعنوان “استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات“[10]، ركَّز فيها على فكرة أساسية؛ هي أن على إسرائيل الإستمرار في عملية دعم الأقليات في سبيل زعزعة الدول العربية في الشرق الأوسط ودعم الحركات الانفصالية لأسباب عرقية وقومية ودينية للأقليات.

ومع الأخذ في الاعتبار أن المؤلف دبلوماسي إسرائيلي سابق وأن هذه المقالة كانت قد نشرت في دوريات للحركة الصهيونية العالمية وهي منظمة على درجة كبيرة من الاعتبار الدولي. يمكن وبكل ثقة الاستنتاج بأن مبدأ وسياسة (نظرية التحالف والاحتواء)، أي دعم الأقليات والحركات الانفصالية لاتزال تسيطر على عقل النخب السياسية الإسرائيلية، وأكثر من هذا على العقل اليهودي بشكل

عام؛ الذي يتخذ مواقف متشددة تجاه الدول العربية من حوله.

بالنسبة للعراق وأكراده يقول عوديد يحنون: “العراق غني بالنفط من جهة، لكنه داخليا متشظٍّ، وهو بالتأكيد مرشح لأن يكون هدفاً لإسرائيل وأن تفتيت العراق وتقسيمه أهم بالنسبة لنا من سوريا. العراق أقوى من سوريا في المدى القصير، وأن القوة العراقية هي التي تشكل الخطر الأكبر على إسرائيل. الحرب العراقية- الإيرانية ستقسم العراق وتؤدي إلى سقوطه وتدميره قبل أن يعود من جديد إلى النضال ومحاربتنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

12) أنظرO.Yinon, “A Strategy for Israel in the Nineteen Eighties. The Zionist Plan for the Middle East”, (Translateda nd edited by Israel Shahak),A ssociationof A rab-AmericanUn iver-si!y Graduates, Inc.,B elmont, Massachusetts, Special Document N. 1, 1982; idem, “Strategiep our Israel dans les annes 80″, Rivued esE tudes Paltstiniennes,N.5 , 1982: 73-83, المترجم

. كل نوع من الاضطرابات داخل الدول العربية المحيطة سيساعدنا في المدى القصير على أن نقوم بتجزئة العراق وسوريا ولبنان.

في العراق، يكون التقسيم المناطقي الإقليمي بحسب الخطوط العرقية الدينية أمر ممكن ؛ وكما حدث في سوريا خلال الفترة العثمانية؛ تستطيع أن تتكون ثلاث دويلات؛ أو ربما أكثر؛ حول المدن الثلاثة الرئيسية التي هي: البصرة وبغداد والموصل. حيث تنفصل المناطق الشيعية عن المناطق السنية والكردية شمالاً، وقد يساعد الصراع العسكري المستمر بين إيران والعراق ويسرع من عملية التجزئة”. سبَّبت هذه المقالة ليحنون الكثير من السخط والغضب لدى الدول العربية وكذلك الصحافة الغربية، وقوبلت بالكثير من النقد؛ حتى في داخل إسرائيل. وقد أعادت الحرب الأميركية الحالية مع العراق؛ الاهتمام بهذه المقالة واعتبرتها خارطة طريق لتقسيم منطقة الشرق الأوسط بحسب السيناريو الإسرائيلي، وصارت العلاقة الخاصة بين إسرائيل والأكراد مهمة جداً خلال فترة الحرب أو الهجوم الأميركي على العراق عام 1991 جراء دخول العراق للكويت. وبعد عاصفة الصحراء وما تلاها من قيام الأكراد في شمال العراق والشيعة في جنوبه بانتفاضة على الحكومة في بغداد، تم قمع كلتا الانتفاضتين من قبل القوات الحكومية العراقية، فسبَّبتْ الإجراءات التي اتخذت بحق الأكراد في شمال العراق جراء هذه الانتفاضة أزمة إنسانية؛ انتهى على إثرها عشرات الآلاف من الأكراد كلاجئين، واستُنفرت المنظمات اليهودية حول العالم وأرسلت ما يمكنها من مساعدات للأكراد العراقيين، واستطاعت مجموعات الضغط اليهودي أن تمارس الضغط على حكوماتها؛ وخاصة في الولايات المتحدة؛ لكي تجبر العراق على التوقف عن عملياته ضد الأكراد. واتهم المجلس اليهودي- الأميركي أو اتحاد المجالس اليهودية؛ الحكومة الأميركية باستعراض مخزٍ لتدني الأخلاق والإحساس بالمسؤولية، حيث قاموا بإدارة ظهورهم للأكراد، فبيَّن هذا البيان تعاطفه مع الأكراد وقاموا بالإعلان عن جهد مساعدة هائل وإرسال تجهيزات طبية؛ ملابس وبطانيات للاجئين على طول الحدود التركية- العراقية. وقد تمت عملية المساعدة هذه؛ بجهود ونشاط اليهود الأكراد في إسرائيل، وتلتها مظاهرات أمام مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي (إسحق شامير) في القدس حينما كان يلتقي وزير الخارجية الأميركي (جيمس بيكر), مطالبين الحكومة الأميركية بحماية الأكراد من (صدام حسين).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

استنتاج

لعبت العلاقة بين إسرائيل والأكراد من 1948- 1990؛ دورًا مهمًّا في الأمن والسلم العالمي وسياسة الدولة الإسرائيلية في الشرق الأدنى والأوسط. ونتيجة لذلك، خدمت فكرة انشغال العراق (وإلى حدٍّ ما سوريا) عن الاهتمام بالصراع العربي/ الإسرائيلي. ونتيجة للتعاون الإسرائيلي/الكردي في تلك الفترة كان هذا الدعم من الحكومة الإسرائيلية إلى ما يمكن اعتباره أحد أقدم التجمعات اليهودية خارج إسرائيل في المنطقة الكردية في شمال العراق. وبالرغم من عملية التهجير التي تمت بحق يهود العراق في الفترة التي أعقبت قيام دولة إسرائيل؛ فإن اليهود العراقيين حافظوا على هويتهم وثقافتهم وتقاليدهم وكانوا أحد المؤثرين في صياغة السياسة الإسرائيلية نحو الأكراد في كل من سوريا والعراق وتركيا وإيران. وقد لعبت الجالية الكردية في إسرائيل دورًا كبيرًا رغم العدد المحدود مقارنة بالبقية. ففي الفترة بين عامي 1950-1980؛ قدمت إسرائيل؛ بالاتفاق مع أميركا وشاه إيران؛ مساعدات عسكرية وسياسية لأكراد العراق أدامت من جهد الصراع بينهم وبين الحكومة المركزية في بغداد. وقد أدَّى توقيع اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران وتزامنها فيما بعد بتاريخ قريب مع الثورة الإسلامية في إيران في 1979؛ إلى انسحاب إيران من هذا الحلف بدعمهم للأكراد، وتضعضعت صيغة الدعم الإسرائيلي لأكراد العراق وهي لا تمتلك أي حدود مشتركة مع هذا البلد، مما صعّب من عملية دعمها اللوجستي لهم. وكان من نتيجة ذلك التقليل بشكل كبير من حجم المساعدات الإسرائيلية لأكراد العراق، ومن دور إسرائيل في الـتأثير على العراق من جهة الخاصرة الشمالية الكردية.
يمكنكم تحميل نسخة من البحث هنا

ثبت بالمصادر  :

  1. Oppenheim, “High-Resolution Y Chromosome Haplotypes of Israeli and Palestinian Arabs Reveal Geographic Substructure and Substantial Overlap with Haplotypes ofJews”, Hu-manG enetics,N. 107 (6), December 2000: 630-641. 2

  2. Asatrian, “Die Ethnogenese der Kurden und fruhe kurdisch-armenischeK ontakte”,I rana nd the Caucasus,vo l. V (2001):4 7 et sq.).

  3. Oppenheim, “The Y Chromosome Pool ofJews as Part of the Genetic Landscape of the Middle East”, 7The AmericanJo urnalo f HumanG enetics, N.69 (5), November 2001: 1095-1112

  4. Traubman, “Study Finds Close Genetic Connections BetweenJews and Kurds”, Ha’aretz, 21 November 2001.

  5. Galletti, “Kurdistan:A Mosaic of People”, G. Asatrian(e d.),A ctaK urdica, Curzon Press, vol. 1, 1994: 43.

  6. Manandian( Manandyan),T igranII -ae wH ioma, Erevan, 1940:p assim.

  7. Gindzberg, TheL egendsof theJ ews, Philadelphia, 1968: 412; cf. also S. Grayzel,A Histogy of theJews, New York, 1968: 163.

  8. Garbell, The,Jewish New-AramaicDi alecto f PersianA zerbaian: Linguistic Analysisa ndF olk-loristicT exts, The Hague, 1965. E. Brauer, TheJ ews of Kurdistan(C ompleteda nd edited by R. Patai),W ayne State Univer-sity Press, 1993: 50. 9

 M Galletti, op. cit.: 44. ‘o Jewish Telegraph Agency, 7 April 2003.

  1. Minc, Ktot akiela kluxi?( wwwjewish.ru/history/jeworld/9012.asp).

  2. M. Sachar, A Histoy of Israel: Fromt heR iseo f Zionismto OurT ime,N ew York, 2000: 398- 399.

Maurice Shohet, TheE scapeF romI raq-A Personal Account (http://thesite2OOO.virtuallave.net/iraqijews/escape.html)

  1. Holden, “Born in Iraq, Living in Israel, Pondering Issues of Identity, ‘Forget Baghdad’, Movie Review”, The Nevw rork limes, 5 December 2003.

  2. Stejnberg,” Narodb ez strany”,N ezavisimojevo ennoeob ozrenie, 28.11.2003

  3. Minasian, “The Turkish-IsraeliM ilitary and Political Co-operation and Regional Se-curityI ssues”,I rana ndt heC aucasus,vo l. 7 (2003):3 09.

  4. Yinon, “A Strategy for Israel in the Nineteen Eighties. The Zionist Plan for the Middle East”, (Translateda nd edited by Israel Shahak),A ssociationof A rab-AmericanUn iver-si!y Graduates, Inc.,B elmont, Massachusetts, Special Document N. 1, 1982; idem, “Strategiep our Israel dans les annes 80”, Rivued esE tudes Paltstiniennes,N.5 , 1982: 73-83.

Saleh AbdelJawwad,” Israel:T he Ultimate Winner”( http://weekly.ahram.org.eg/).

  1. Nachmani, Israel,T urkeya nd Greece: UneasyR elationsin theE ast Mediterranean, London, 1987: 15.

Saleh AbdelJawwad, op. cit. 32 See in detail V. Ostrovsky,B y Wayo fD eception,To ronto: Staddart,1 990. D. McDowall, “A Modern History of the Kurds”,Bridgend,1996: 320, 331; N. Mor-dechai,”Minoritiesi n the Middle East”,Jefferson,1 991: 240-241.

  1. T. 6alymyan, Sirijsko-irakskieotno denfa1 961-1967gg.,E revan,2 002: 64-76. 0. Bengio, “Crossing the Rubicon: Iraq and the Arab-Israeli Peace Process”, Middle East Reviewo f InternationalAf fairs, vol. 2, N. 1 (March 1998): 33-34. For more details, see idem, “The KurdishR evolt in Iraq”, TelAvivH akibutz Hameuhad,19 89: 83-87.

  2. W. Cottam, “Irana nd the Middle East”, TheM iddleE ast andt he Western Alliance, ed. by S. L. Spiegel, University of California, Los Angeles, 1982: 211. 3 J. Marshall,P . D. Scott,J . Hunter, TheI ranC ontraC onnection:Sec ret Teamsa ndC overt Opera-tionsi n theR eaganE ra,S outh End Press, 1987:169

  3. Fabricnikov,A . Frolov, “Kontrrasprostranenie:xo roso zabytoe staroe”,r adernyj kontol’, N4 (70), vol.9, winter 2003: 143.

Payman Arabshahi, “Where Has Israel NOT Put Its Nose Into?”, The Jordan Times, 30.11.1996. 43 0. Zigalina, “Dokumentya merikanskogop osol’stvav Tegerane po kurdskomuv oprosu”, Special’nyjby ulleten’ InstitutaV ostokovedenyaAka demiiNa ukS SSR,N .6(270), Moscow, 1990: 120-135.

  1. Vann, “A Proposal for Ethnic Cleansing in Iraq”, 7he New York Times, 26 November 2003.

  2. Barron, “U.S. and IsraeliJews ExpressS upportf or Kurdish Refugees”, WashingtonRe – porto fM iddleE astA ffairs, May-June1 991: 64.

عن

شاهد أيضاً

كيف بدأ تقليد أشجار عيد الميلاد؟

كتبه لموقع انسايكلوبيديا بريتانيكا: آمي تيكانين نشر بتاريخ: 14/ 12/ 2018 ترجمة: سارة الأعرجي تدقيق: …

هل النبي محمد شخصية حقيقية؟ خلاف بين الباحثين في الدين الإسلامي

كتبه لموقع شبيغل أونلاين: ياسين موشربش نشر بتاريخ: 18/ 9/ 2018 ترجمة: إبراهيم العيسى تدقيق: …