الرئيسية / سياسة / الفوضى التي تركها أوباما في العراق

الفوضى التي تركها أوباما في العراق

بقلم: جيمس تراوب
هل من الصواب لوم الرئيس أوباما على ظهور الدولة الإسلامية “داعش”؟
حسناً، لن يكون أمراً خاطئاً
الآن، يبدو أن العراق قد ضاع، ويحاول الجمهوريين إلقاء اللوم على إدارة الرئيس أوباما لخسارته. حاكم أنديانا، مايك بنس كرر هذه التهمة في مناظرة نائبة الرئيس في هذا الأسبوع، مدعياً أنه “بسبب فشل هيلاري كلينتون في إعادة التفاوض على اتفاقية تسمح لبعض القوات الأمريكية بالبقاء في العراق وتأمين المكاسب التي حققها الجنود الأمريكان بشق الأنفس في عام 2009، مما مكن ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية من الخروج من مخابئهم في الصحراء. سماح نائب كلينتون سيناتور فيرجينيا تيم كاين على نحو غير معهود أن يمرر هذا الاتهام دون رد جعلني أتساءل عما إذا كان يشعر أن أي رد قد يختاره سيكون خاسراً.
أولئك الذين يميلون إلى زاوية أوباما كثيراً أو قليلاً يسخرون من هذا الإدعاء على أنه إشاعة حزبية كاذبة ـــ “تفكير متفائل” كما وصفه لورانس كورب في العام الماضي، من أولئك الذين “يحاولون صبّ اللوم على أوباما.” العراقيون هم من فقدوا العراق، وقبل كل شيء فإن رئيس الوزراء نوري المالكي، وهو رجل شيعي قوي لم يميزوا ماضيه الطائفي، وبالتالي أنقلب على السنة ذاتهم الذين قاتلوا اسلاف الدولة الإسلامية في العراق وهم القاعدة، جنباً الى جنب مع القوات الأمريكية. في النهاية، وجد المالكي الكثير من القواسم المشتركة مع الجارة ايران، وهي قوة شيعية كبيرة في المنطقة، والتي كانت على استعداد تام لدعم حملته ضد السنة.
معظم اللوم يجب أن يقع على المالكي وإيران، وعلى بشار الأسد في سوريا، الذي حول مظاهرة سلمية ضد حكمه إلى حرب أهلية ازدهرت داخلها الدولة الإسلامية. لو لم يطلق جورج دبليو بوش حربه على العراق، لما تمكنت الدولة الإسلامية من استغلال الفراغ الذي نتج هناك أيضاً. ولكن هل يوجد على الإطلاق سبب يدعو لأن يتحمل أوباما أيضاً بعض اللوم على تبذيره أو عدم استفادته من المكاسب التي تحققت بشق الأنفس؟ نعم أعتقد أن هناك سبب.
بالنسبة لأوباما في عام 2008 وكمرشح رئاسي كانت أفغانستان هي الحرب الضرورية والعراق هو الفشل الذريع الذي يمتص دماء وأموال أمريكا. فعندما زار أوباما العراق في تموز من ذلك العام، وفقاً لمايكل غوردون وبيرنارد ترينور، مؤلفيّ كتاب نهاية اللعبة، قال أوباما للقائد الجنرال ديفيد بتريوس أن الولايات المتحدة بحاجة إلى سحب قواتها من العراق بسرعة لأن “أفغانستان هي الجبهة الأمامية في الحرب على الإرهاب.” في الواقع، أجاب بتريوس “العراق هو الجبهة الأمامية كما يقول تنظيم القاعدة. ” وأوضح بتريوس، لم يكن كذلك من قبل، ولكنه الآن أصبح كذلك.
في ذلك الوقت، كان بتريوس يعبر عن رأي الأقلية، بينما كان رأي أوباما هو الرأي الأوسع نطاقاً. لأن الشعب الأمريكي كان قد ضجر من حرب العراق ويؤيد الانسحاب تماماً ـــ لأن الحرب قد اعتبرت على نطاق واسع جداً بأنها خطأ كارثي ــ وعلى الرغم من ذلك، كان عدد قليل من الناس مستعدين لتقبل فكرة أنها لم تكنّ الحرب الضرورية أبداً. ولكن في وقت لاحق، كان هذا هو الحال بوضوح. تنظيم القاعدة في العراق كان بالفعل هو الوحدة الأسرع نمواً والأكثر ربحاً في شبكة الإرهاب، في حين أن أسامة بن لادن وعصابته كانوا قد تحصنوا بشكل جيد في جبال باكستان.
دعونا نتخيل للحظة أنه على الرغم من ارتكاز حملته الانتخابية على معارضته لحرب العراق، أوباما كان قد اقتنع بادعاء بترايوس وقرر أن العراق كان على الأقل ضروري مثل أفغانستان. هل كان بإمكانه أن يفعل أي شيء من شأنه أن يحدث فرقاً؟
أثار بنس (نائب ترامب) موضوع حيوي حول “اتفاقية وضع القوات” وهو ميثاق رفض العراقيين توقيعه في عام 2011، وبالتالي فرضوا رحيل جميع القوات الأمريكية. المسؤولون في إدارة أوباما، فضلاً عن المراقبين المحايدين، قد أشاروا منذ وقتٍ طويل الى أن رفض العراقيين إعفاء القوات الأمريكية من الإجراءات القانونية الممكنة، قد جعل من غير الممكن موافقة واشنطن على الصفقة. ومع ذلك، وفقاً للعديد من الروايات ( من ضمنها الروايات المذكورة في كتاب نهاية اللعبة) كان المالكي قد وافق على تقنين هذا التفاهم في اتفاقية تنفيذية، لكن إدارة أوباما أصرت عليه أن يحصل على موافقة البرلمان ــ في حين أخبرهم المالكي بعدم استطاعته الحصول عليها. قررت إدارة أوباما أنها لن تخاطر لأنها اعتقدت بعدم حاجتها لإبقاء قوات في العراق. وبحلول الوقت الذي وصلت فيه المسألة إلى ذروتها في عام 2011، كان أوباما يواجه ضغوط خطيرة من الميزانية بعد ثلاث سنوات من الركود وتزايد الوجود العسكري في أفغانستان، فكان على استعداد لتقليل الوجود العسكري في العراق إلى 3500 جندي.
كانت وزارة الدفاع قد طلبت إبقاء 16000 جندي. ومن السليم أن نقول أنه حتى مع وحدة بتلك الضخامة، فلم تكنّ الولايات المتحدة لتتمكن من سحق القاعدة؛ فالحملةا لتي قادها المالكي لاضطهاد القبائل السنية و زعمائهم السياسيين كانت تصنع المتطرفين بسرعة أكبر بكثير من قدرة القوات الأمريكية على استهدافهم. ولكن ديريك جولت ــ الذي ساعد في صياغة السياسة العراقية في وزارة خارجية أوباما والبيت الأبيض ووزارة الدفاع ــ يعترف في كتابه “لعبة طويلة في أستراتيجية اوباما العالمية” بأنه حتى “بقاء قوة صغيرة” كانت لتمنح الإدارة المزيد من التبصر حول إخفاقات قوات الأمن العراقية – وربما منع المسؤولين الامريكيين من النظر بصورة خاطئة لتنظيم الدولة الإسلامية كفريق للتدخل السريع تابع للقاعدة كما وصفه أوباما في احدى خطاباته.
شيء واحد تعلمته الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان وهو أن الجيش قادر على الفوز بالمعارك، ولكنه غير قادر على حل المشاكل التي تكون ذات طابع سياسي بطبيعتها. هنا ايضاً قامت إدارة أوباما بأخطاء جسيمة في الحكم. في عام 2009، سافرت إلى العراق مع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي عهد إليه الرئيس أوباما بملف العراق. على الرغم من قلقه من غرائز المالكي الطائفية، أكد لي بايدن أن السياسة العراقية الصاخبة بصورة متزايدة ستجبر القادة للخروج من قواعدهم الطائفية. وقال “هؤلاء الرجال طبيعيون ويتعاملون مع الأحداث بروية”و ” لا يزالون ساسة” ولكن بايدن كان مخطئاً: مع دعم إيران الذي لا يتزعزع، تمكن المالكي من متابعة أسوأ دوافعه. والتي لم تنتج تعددية ديمقراطية وإنما أشكال متنافسة من القومية العرقية.
المالكي كان الرجل الخطأ لكل من العراق والولايات المتحدة، ويجادل منتقدي إدارة أوباما أنه بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2010 والتي خسر فيها المالكي بصعوبة أمام الحركة الوطنية العراقية غير الطائفية، كان يمكن بل ويجب على المسؤولين الأمريكيين أن يدفعوا باتجاه خروج المالكي من السلطة. مرة أخرى، فإنه من السهل جداً تضخيم نفوذ الولايات المتحدة. ذكر ديكستر فيلكنز في مجلة نيويوركر أن قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس الإيراني، توصل إلى اتفاق بين الزعماء العراقيين لبقاء المالكي في منصبه. ثم سعى دبلوماسيون أميركيون لإنقاذ الوضع من خلال إقناع المالكي بإنشاء وظيفة عليا جديدة لزعيم الحركة الوطنية العراقية إياد علاوي؛ غير أن المالكي حرص على عدم تسلم علاوي أي مسؤولية حقيقية، وسرعان ما انهارت الاتفاق.
ولكن حقيقة أنك لا تستطيع أن تفعل كل شيء لا يعني أنك لا تستطيع أن تفعل أي شيء. مثلما تخلى بوش فعلياً عن أفغانستان من أجل التركيز على العراق، وهي الحرب التي أهتم لها فعلاً، فإن أوباما سمح للعراق بأن يتعثر على طول الطريق وحده بينما صعد “الحرب الجيدة” في أفغانستان. وقد جادل ريان كروكر، سفير الولايات المتحدة في العراق في الفترة 2007-2009، أنه بما أن الوجود الأمريكي قد منع الطوائف العراقية من تمزيق بعضها بعضاً، “فإن الانسحاب قد قادهم جميعاً للرجوع الى التفكير المعتدل”. أعتقد أوباما بأن العراقيين لن يعتمدوا على أنفسهم إلا بعد انسحاب الولايات المتحدة حيث لن يكون لديهم من يتوسط لحل خلافاتهم. حقيقة أنه قد أرسل الآن 4500 جندي إلى البلاد هو الدليل الأكثر وضوحا على مدى خطأ تلك الفرضية كما تبين.
في لحظةٍ ما، عندما يريد الأمريكيين أن يديروا ظهورهم للعالم، لبناء جدار حولهم من أجل بناء حديقتهم الخاصة، سيكون لدى الرئيس اغراء قوي لإقناع نفسه بأن الأمور ستسير بشكل جيد بما فيه الكفاية من تلقاء نفسها أو حتى يقتنع بأن الوجود الأمريكي يرتبط بجعل الأمور أسوأ. هذا هو الموقف الذي اعتمده أوباما في كل من العراق وسوريا على نطاقٍ واسع. في الواقع، لقد تحول غياب الولايات المتحدة إلى أن يكون أكثر ضرراً من وجودها. بصراحة لا أعرف كيف يمكن للرئيس القادم، حتى لو فرضنا أنها هيلاري كلنتون، قادر على إقناع الشعب الأمريكي أن الإشتباك والمشاركة خارج البلاد حتى في الفوضى والظروف السيئة، يعمل بشكل أفضل من سياسة الانكفاء على الذات، سيكون عليه -الرئيس القادم- المحاولة.
المصدر: هنا

عن

شاهد أيضاً

الجواز الأمريكي لا فائدة منه

يمكنني التنقل حيث شئت بجواز سفري الألماني. ولكن عدد الدول التي تسمح للأمريكيين بالدخول تكاد …

حصرياً: من داخل مخيمات تدريب تابعة لحزب الله لنشر الأخبار الزائفة  

  بقلم: ويل كريسب وسداد الصالحي  بتاريخ: ٢/آب / ٢٠٢٠ ترجمة: رحاب الهلالي تدقيق: ريام …