الرئيسية / تأريخ وتراث / ستيف جونسن ومستقبل التأريخ

ستيف جونسن ومستقبل التأريخ

بالنسبة للمؤلف الامريكي ستيفن جونسن، التأريخ ليس فقط مجموعة من الكتب الاكاديمية المكدسة فوق بعضها البعض، بل هي شبكة معقدة من الشخصيات الغريبة والقصص المدهشة المنسوجة معًا عبر الزمن. كونه احد المناصرين المشهورين للحلول الابداعية وفوائدها، فإن متابعيه الذين يصل عددهم الى 1.4 مليون في تويتر يعرفون بأن اعماله تحتوي على اكثر من مما يمكن اعتباره دروسًا في التأريخ فقط، بل فيها بعض الدروس الجادة للحياة ايضًا. ألفّ ستيفن تسعة كتب، اغلبها اصبح من الكتب الاكثر مبيعًا، احدث مؤلفاته (كيف وصلنا الى الآن: الابتكارات الستة التي صَنعت العالم الحديث) ينظر في جزء منه الى تطور ذكائنا ويمتدح الكيفية التي برعنا فيها وتغيرنا جذريًا في طريقنا نحو القرن الواحد والعشرين.

كتاباته وصفت بأنها (مبتكرة بشكل ﻵفت للنظر) و (مُعدية)، لكن هنالك نواحً اعمق في اعمال جونسن؛ فالتاريخ بكل اعاجيبه ينطوي على دروس مهمة لنا، لذا لنحاول التأكد من أننا سنستخدمها لصنع مستقبل افضل.

س – هنالك الكثير من الكتاب الذين ينشرون في العلوم العامة (الموجهة الى عامة الناس وليس ذوي الاختصاص)، لكن احد الامور الفريدة التي تتميز بها انك تضيف حس التسائل والحيرة للمواضيع التي تكتب عنها. هل تظن ان تلك ملاحظة دقيقة؟

جونسن: في الحقيقة، انني مستغرب نوعًا ما من عدم وجود الكثير من الاعمال بنفس الاسلوب. عندما نشر كتابي (كيف وصلنا الى الآن) لأول مرة، لاحظ القراء بأن الكتاب يذكرهم بالبرنامج الكلاسيكي القديم (Connections) (1) لـ (جيمس بيرك). كان ذلك شيئًا عظيمًا لأن تأثيره بالتأكيد كان كبيرًا بالإضافة الى ان كلا العملان متشابهان جدًا من حيث الهيكلية. لكن برنامج روابط (Connections) يعود الى زمن السبعينيات وبداية الثمانينيات، وهي الحقبة التي عليك ان تبحث فيها لتجد برنامجًا مشابهًا يبحث في التأريخ من نفس الزاوية. بالنسبة لي، اعتقد بوجوب وجود برامج متشابهة اكثر بكثير. (لم يتم اختراع طابعة مناسبة تجاريًا حتى سنة 1880، على الرغم من امتلاكنا مهارات ميكانيكية لصنع طابعة قبل 400 سنة من العام المذكور. كان الناس يصنعون الساعات التي تعتبر ميكانيكية اكثر تقدمًا من الآلات الطابعة)،

س- احد المواضيع المبهرة التي كتبت عنها هو الزجاج. كيف تم العثور عليه اولًا في الصحراء الليبية عن طريق الصدفة، ثم كيف آثر في تشكيل ثقافتنا الى الحد الذي اصبحنا فيه نرجسيون بإفراط، وغيرتنا تقريبا بشكل فسيولوجي. لا استطيع سوى ان اشعر بشيء من الحزن للحياة البسيطة التي عشناها في الأوقات الغابرة. هل التغيير حتمي؟ هل التطور مرتبط بشكل وثيق مع الابتكار؟

جونسن: نعم، ذلك سؤال كبير. في ذلك الفصل من الكتاب احاول ان ابرهن ان الزجاج هي المادة الأهم خلال الالف سنة الاخيرة. من دون هذه المادة لما كان اي وجود للشبابيك واكواب الشرب، ولا زجاجات الشراب، لكن الاهم لن يكون هنالك وجود للمجاهر العلمية او التيليسكوبات او المرايا وكل انواع العدسات ولا حتى الألياف الضوئية وكل الاشياء الاخرى التي لا نفكر عادةً بأنها مصنوعة من الزجاج.

ولذلك، فان تأريخ العلم والطب لوحدهما كان معتمدًا بشكل اساسي على الخواص الفيزيائية لثاني أوكسيد السيليكون والطريقة التي يسمح بها للضوء بالمرور من خلاله والتي لا تتوفر في اغلب المواد الاخرى. ان تأريخنا الحضاري كله مرتبط بهذه الصدفة الصغيرة الغريبة للفيزياء والمادة. صدفة لم تكن في الحقيقة ملفتة للنظر حتى اصبحنا قادرين على صنع الزجاج الشفاف. هذه الخاصية التي ظلت غير مكتشفة لآلاف السنين من تأريخ الانسان حتى توصلنا الى صناعة الزجاج الشفاف، مما ادى الى تغير كل شيء بسرعة كبيرة. خلال الـ 400 سنة الماضية احدث الزجاج ثورة عارمة في كل تلك المجالات.

س- هنالك سؤالان يطرحان نفسيهما: هل كان ذلك الاكتشاف محتوم؟ هل كنا سنكتشف هذه الخاصية للزجاج في النهاية؟ ام ان الامر مجرد صدفة؟ اذا كان من الممكن ارجاع عجلة التأريخ الى الوراء ولم تحدث مصادفة اكتشاف خاصية الشفافية للزجاج، هل كان العلم والتكنولوجيا سيأخذان طريقًا آخر؟ السؤال الثاني، هل كان ذلك الامر جيدًا بالأساس؟ فكر بكل الغرور وثقافة الانطواء التي ظهرت خلال عصر النهضة بسبب المرايا.

جونسن: اعتقد ان الجواب على السؤال الاول هو ان الكثير من تلك الاشياء، تلك الاكتشافات الكبيرة، هي محتومة الحدوث. السبب الذي يدعوني لهذا الاعتقاد هو تلك الإكتشافات الكبيرة حدثت تقريبًا في نفس الوقت في كل انحاء العالم وبشكل مستقل. (اي ان نفس الاكتشاف يحدث في نفس الوقت في بقاع مختلفة من العالم دون ان يكون هنالك ربط بين حالات الاكتشاف).

اما عن كون تلك الاكتشافات جيدة او سيئة، فأنا اؤمن بالتطور. لكن هنالك الكثير من السلبيات ايضًا في مسار التطور على اية حال.

س – يبدو بأن هنالك ميول ايجابية في الطريقة التي تصف بها الامور في كتبك. الامور تطورت نحو الافضل لا اشك في ذلك، لكن هل توافق معي بأن الكثير من عملك ليس عن تطور الابتكار بل عن تطور الذكاء (التفكير الانساني)؟

جونسن: حسنًا، الجزء الاكبر من ذلك هو قدرتنا على العمل في الشبكات التعاونية كبيرة. كان هنالك الكثير من الاشخاص الاذكياء عبر التاريخ، لكنهم كانوا دائمًا اقل اتصالًا مع بعضهم البعض مما هم الآن. احد الافكار الرئيسية وخاصة في كتاب (من اين تأتي الافكار الجيدة) وأيضًًا في كتاب (كيف وصلنا الى الآن)، هي اننا لدينا روايات كاملة عن المخترعين النوابغ كأفراد، لكن الحقيقة اهم الافكار واصعبها ايضًا تنتج من تعاون مجموعة من الافراد، وليس المخترع النابغة لوحده. احدهم يأتي بنصف الفكرة والآخر يبني على تلك الفكرة. التعاون على الافكار اصبح ممكنًا سهلًا بعد اختراع الكتابة ثم ولادة طرق اخرى كثيرة عن خزن المعلومات واسترجاعها وصولًا الى اختراع الانترنت.

والاهم من ذلك كله انشاء المدن الكبيرة، حيث اصبح بمقدور الناس رؤية احدهم الآخر لمجرد شرب كوب من القهوة وتبادل الافكار. كل تلك العوامل مجتمعة جعلتنا اذكياء بشكل جماعي. كل انواع الطفرات المعرفية والعلمية نتجت عن تلك الشبكات هو التعاون الجماعي.

س- حسنًا، اتفق معك بأن اللحظة الحاسمة في ايجاد الافكار هي عادةً نتيجة لتعاون الكثير من الناس. المثال الذي يتحدث عن اتفاقية سنة 1956 بين مختبرات بيل “Bell Labs” والحكومة الامريكية والتي تشكل سابقة من نوعها، ولم يتم عقد اتفاقية مشابهة منذ ذلك الحين حتى اليوم. مالذي تتحدث عنه هذه الاتفاقية –التي ادت الى الكثير من التقدم التكنولوجي- حول (الابتكار الاجتماعي)(2) للحكومات؟

جونسن: انا سعيد لأنك اثرت هذه النقطة. لكي نعطي خلفية عن القصة، كنت دومًا أعتبر مختبرات بيل كمحرك عظيم للابتكارات. كنت مدركًا ان الكثير من التقنيات المهمة في القرن العشرين كانت جذورها من مختبرات بيل بشكل او بآخر، بدءً من الترانزيستر والشبكات الخلوية وصولًا الى الليزر. كان هنالك رأي عام بأن لديهم الكثير من الاختصاصات المختلفة وكان السلوك الرائع السائد في مختبرات بيل هو السماح للناس بالقيام بأبحاث مشوقة بالأسلوب المفتوح (اي استخدام مصادر متاحة بشكل علني مجاني ومشاركة النتائج بشكل مجاني). ذلك كله صحيح. لكن هنالك جزء مفقود من القصة لم ادركها.

الشركة الام لمختبرات بيل (والتي سميت اخيرًا بـ AT&T) كانت في حرب مستمرة مع قسم مكافحة الاحتكار حول السؤال التالي: هل ينبغي السماح لهم بهذا الاحتكار؟ كان من الواضح بأنه اذا اردنا خدمة هاتف تغطي كل الولايات المتحدة، لابد من السماح لشركة At&T بالسيطرة والاحتكار. كان امرًا معقدًا جدًا ان يتم ذلك عن طريق مجموعة من الشبكات المختلفة. لذا فإن الحكومة الامريكية نظمت تلك الصفقة قائلة: حسنًا، بإمكانكم الحصول على الحق الحصري والسيطرة على كل قطاع الهاتف. لكن في المقابل، اي ابتكار يتم انتاجه في مختبراتكم يجب ان يكون متاحًا مجانًا لأي شركة امريكية ترغب بالحصول على فكرة الابتكار وتعمل بها. لذلك فإن الشيء الفريد في تلك الصفقة هو الجمع بين حالة مفرطة من الرأسمالية عند منح الارباح الغير معقولة لشركة خاصة وبين كون كل الافكار التي ستظهر من تلك الشركة ستكون متوفرة لكل المجتمع. تلك الافكار هي ملك الجميع (على الاقل ملك لأي مواطن امريكي). وبإعتقادي فان هذا هو الجزء المفقود من النسخة المختصرة لقصة (لماذا كانت مختبرات بيل بيئة خصبة للابتكارات). نعم، هم استثمروا الاموال من اجل الابتكار، لكن ايضًا ً اية فكرة مثيرة للاهتمام وجذورها من مختبرات بيل كانت متاحة ﻷستغلالها في اي مكان اخر مجانًا. هذه الخطوة ساهمت في توسيع القدرة العقلية وزيادة عدد الأشخاص الذين كان بمقدورهم نقل تلك الافكار الى اماكن جديدة. اعتقد بأن ذلك مثال واضح عن الطريقة التي ينبغي للحكومات ان تشجع البحوث مفتوحة المصدر (المتاحة للجميع مجانًا) والانواع الجديدة من براءات الاختراع.

في بعض الحالات قد يكون من الانسب التخلص من الحقوق الحصرية لبراءات الاختراع بصورة كاملة، وفي احيان اخرى قد نكون بحاجة فقط لإيجاد طريقة سلسة اكثر لإتاحة المعلومات دون قيود. التطور لا يحصل بالحماية الصارمة للملكية الفكرية وبناء الجدران حولها، لان ذلك يحدد عدد الاشخاص الذين قد يأخذون تلك الافكار ويبنون عليها. في الولايات المتحدة بشكل خاص لدينا هذه الفرضية التي تقول بأن الطريقة المثلى لتشجيع الابتكار هي ضمان ان المخترع يحصل على اكبر الأرباح من اختراعه، وبرأيي فان ذلك اعتقاد خاطئ.

س- اينما تذهب حاليًا، الناس يتحدثون عن مصطلحات مثل (التخريب) و(الابتكار) (3). يبدو هذان المصطلحان حاليًا حديث الساعة، لكن المفارقة ان الابتكار الذي تكتب عنه يشير كم كنا (مبتكرين) و(مخربين) قبل قرن او الكثير من القرون من الزمن.

جونسن: نعم ذلك مضحك حقًا. اتتني فكرة كتاب (من اين تأتي الافكار الجيدة) قبل عشر سنوات واستغرقت 5 سنوات لكتابته. كنت دائمًا اؤجل كتابته وانهمك في كتابة تلك الكتب الاخرى. كنت اسابق الزمن لإنهاء الكتب الاخرى لانني كنت ارى شيئًا ما يحدث في المجتمع حاليًا، ولم يستطع احد تمييز هذا الشيء بنفس الطريقة التي فعلتها انا. لكن مع كتاب (من اين تأتي الافكار الجيدة) لم اعتقد ان الوقت مناسب لموضوعه. لم اعتقد ان وقته قد حان بعد. لكن بسبب الإنهيار الاقتصادي سنة 2008 والسنة التي تلتها والاهمية المتواصلة للقطاع التكنولوجي، عندما نشر الكتاب كان الموضوع اصبح حديث الساعة. الإبتكار كان جزءً من حديث اوباما في اول خطاب له في ذكرى (حالة الاتحاد). لذا فالمصادفة كانت حليفًا لي حيث اصبح الموضوع حديث كل الاماكن. انا احب الحديث عن التأريخ. والافكار الجديدة والابتكارات تثير اهتمامي. لكن ان كنت سأخصص كل وقتي للكتابة عن الشركات الناشئة (start-ups) فسينالني التعب.

انه من الممتع اكثر لي ان انظر في التاريخ واقترح بعض الطرق التي يمكن للماضي ان يقودنا بها للمستقبل. لكن الغريب في الامر انني اجد نفسي بشكل متزايد ميالًا ﻷكون مؤرخًا فقط لا غير. (أنا اؤمن بالتطور. لكن هنالك الكثير من السلبيات ايضًا في مسار التطور على اية حال)

س – اود ان اسألك حول بعض ٍ من اكبر الافكار التي قد تغير العالم في هذه اللحظة: مشروع (كريسبر/ التعديل في الجينات)، (بت كوين، العملة الرقمية الافتراضية)، (البيانات الكبيرة Big Data) وغيرها من الافكار. هنالك مقولة مشهورة تنسب لـ (اوبن هايمر) قالها بعد ان عمل على تطوير القنبلة الهيدروجينية ورأى الضرر الذي بإمكان تلك القنبلة احداثه: (لقد اصبحت ُ انا الموت، ومحطم العوالم). هنالك الكثير من عدم امكانية التنبؤ اليوم في التقنيات الجديدة والعلوم. هل تعتقد انه في المستقبل سيتم تذكرنا على اننا كنا في الجانب الصائب من التأريخ؟

جونسن: ذلك سؤال رائع. كتبت بعض الشيء عن هذا الموضوع في الحوار عن الذكاء الاصطناعي (الذكاء الخارق: السبل، الاخطار، والاستراتيجيات) للمؤلف نيك بوستروم والذي كان موضوعًا مثيرًا للإهتمام بشدة. كملاحظة جانبية، بغض النظر عما تعتاد بأنه سيحدث، بات من الواضح بخصوص الذكاء الاصطناعي، ان كل النقاشات التي اجراها الفلاسفة الاكاديميون منذ قرن او قرنين من الزمن حول نظرية القرار وغيرها من الامور، لقد كان خطابهم مقتصرًا على فئة قليلة فقط، والآن يريدون ان يقرروا مصير الجنس البشري. انا مقتنع بأنه فيما يخص قضية مثل الذكاء الاصطناعي، الخطر من الذكاء الخارق هو خطر حقيقي بشكل ٍ كاف ٍ لكي يستحق ان نفكر فيه. لست خبيرًا بشكل كاف ٍ لاعطيك تقيّمًا مهنيًا حول ما اذا كان هنالك ذكاء اصطناعي شرير، لكنني اعتقد بأنه من الضروري ان نفكر في ذلك. ما اجده مشجعًا في كل ذلك، وهذا حقيقي في تقنية الـ CRISPR وغيرها من التقنيات الجينية، اننا اليوم نحاول القيام ببعض الامور التي لم نكن حتى نتخيلها قبل 50 سنة. نحن اليوم نجلس مع اشخاص اذكياء جدًا لنفكر ونخطط لحل مشاكل من المحتمل جدًا انها لن تظهر قبل نصف قرن آخر. مهمة تود قوله عن امكانياتنا عن تدمير ذاتنا، لكن حقيقة اننا نقوم بهذا الحوار الآن بحد ذاتها هي جديرة بالثناء. يمكن تشبيه ذلك بأصحاب المصانع في مانشستر سنة 1800م وهم يجتمعون ليقولوا (حسنًا ، هذه الثورة الصناعية عظيمة وهذا الفحم فعال جدًا، لكنني لاحظت بأننا ندخل بعض الكاربون الى الغلاف الجوي وذلك حقيقة قد يسبب بعض المشاكل خلال 150 سنة). لم يقترب احد اصلا من التفكير بذلك.

س- لكننا لا نملك تلك القدرة على التنبؤ. وهذا الشيء اراه في عملهم. لا يمكننا لومهم. لكن على الاقل نحن نحاول. الذكاء الخارق هو كلام كتب فقط، اعتقد بأنه من الحتمل ان تكون هنالك مشكلة في اننا لن نكون قادرين على رؤية ما سيحدث قبل مرور خمسين سنة، لكن اعتقد ايضًا بأن علينا ان نبدأ النقاش الآن. حقيقة كوننا سيئين في التنبؤ عن مشاكل المستقب التي يجب ان تكون متوقعة. الى ذلك فإن حقيقة كوننا نحاول التنبؤ فان تلك المحاولات بحد ذاتها جديرة بالثناء، وقد تتحسن مهاراتنا –كجنس بشري- بالتنبؤ من خلال الممارسة والتمرن على تلك المهارات.

جونسن: نعم، ذلك يذكرني بشيء قاله خبير الذكاء الاصطناعي (جارون لانيير) قبل عدة سنوات: (عيوب الحاسبات اليوم وعدم وصولها حد الكمال حتى الان يمكن ان نراه في تنبؤات بعض الاشخاص عن الذكاء الاصطناعي قبل 25 سنة)

س- ويستمر بالقول بأن ذلك مشابه لبعض افكار عيوب التصميم التي ساهمت في اهدار الترليونات من الدولارات بسبب عدم الكفاءة في التقنية على المستوى العالمي.

جونسن: نعم، الامر الآخر الذي تذكرني به هو كيف اننا كنا نتحدث عن التقنيات التي كانت حتمية الحدوث. لكنني الآن مهتم بالتقنيات التي يبدو وكأنها تأخرت حتى ظهرت. لم يتم اختراع طابعة مناسبة تجاريًا (قابلة للبيع في الاسواق) حتى سنة 1880 ، على الرغم من امتلاكنا المهارات الميكانيكية لصنع طابعة قبل 400 سنة من العام المذكور. كان الناس يصنعون الساعات التي تعتبر ميكانيكية اكثر تقدمًا من الالات الطابعة. افكر بذلك في وقتنا الحالي. هل هنالك تقنيات متأخرة الوصول والتي ينبغني ان نكون قد فكرنا بها الان؟ – هذا السؤال سيبقيني مستيقظا ً في الليل. جيد، بامكانك ان تجد الجواب اذًا.

اخبرني ما هي الاجابة لكي نبدأ بالاستثمار التجاري سويًا.

س- اعتقد ان اعظم الإبتكارات التي لا تلقى الكثير من التغطية هي في مجال اطالة العمر. في سنة 1920 كان متوسط العمر المتوقع في الولايات المتحدة الامريكية هو 58 سنة، في سنة 1960 قفز المعدل الى 70 سنة، واليوم المعدل يصل الى 79 سنة. هذا شيء لا يصدق ولا اعلم لماذا لا يتحدث عنه الناس، على الاقل بصورة كافية.

جونسن: نعم، لو كنا نبث الاخبار بصورة صحيحة عن تلك التقنيات بوصفها اهم ما يحدث في العالم لكانت تصدرت العناوين الرئيسية كل يوم. لكن كما يلاحظ ستيوارت براند، لا يتم التحدث عن تلك التقنيات لان حدوثها يتم بوتيرة بطيئة. الناس ينسون هذا التحول العميق في الحياة اليومية لأنها لا تهيمن على الاخبار. من الواضح بأن العواقب الغير مقصودة للشيخوخة لها تأثيرات اقتصادية ومادية. ففي الولايات المتحدة نحن نتحدث باستمرار عن كيف اننا لا نستطيع توفير تكاليف الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي لكل اولئك الناس الذين يعيشون عمرًا اطول.

ذلك يثير نقطة اخرى ايضًا، اذا بدأنا فعلًا بالوصول الى المرحلة التي نضمن بها ان نعيش لمدة 100 عام، والذي يبدو معقولًا في هذه النقطة، عندها سيكون في غاية الأهمية عدم التعرض لموت مفاجئ. بالرجوع الى الايام القديمة حين كان الانسان يصاب بمرض الكوليرا في الـ 25 من عمره، وكان ايضًا في حالة عوق بدني، لما كان الموت المفاجئ مهمًا جدًا. لكن ان كانت هنالك فرصة جيدة لتعيش 100 سنة، فذلك سيغير من تأثير اماكن الخطورة ومن قراراتك في الحياة. هنالك الكثير في وادي السيليكون ممن يريدون القضاء على الموت تمامًا.

س- نعم لقد قابلنا احدهم في الحقيقة، شخص اسمه (اوبري دي كري) والذي يحاول ان يفعل ما ذكرت من القضاء على الموت تمامًا.

جونسن: دائمًا افكر بمقولة ستيف جوبس الرائعة في كلمته التي القاها في جامعة ستانفورد: (اذا توصلنا فعلا الى محو الموت من الوجود، مالذي سنفعله؟ ستكون لدينا مشكلة كبيرة جراء الانفجار السكاني. سيكون ذلك التحدي الاكبر والفريد من نوعه الذي سنواجهه كجنس بشري). لذا فان الاخلاقيات المتعلقة بهذا الامر غير واضحة.

س- في النهاية ستيفن، ان هنالك الكثير من المصادر الموسيقية في اعمالك. هل يمكنك ان تخبرنا شيئًا عن تأريخك مع الموسيقى؟ هل كنت موسيقيًا سابقًا؟

جونسن: في عمري الحالي، انا موسيقي سيء جدًا. عندما اشرع بالكتابة، لدي لوحة المفاتيح بيانو بيني وبين الكومبيوتر، واقضي الآلاف من الساعات وانا اكتب واعزف الموسيقى التي غالبًا ما لا يسمعها غيري.

الموسيقى شغف كبير بالنسبة لي، وليست لدي اي طموحات مهنية حيالها، لكنها جزء كبير من حياتي. ذلك يجعلني مستمعًا جيدًا للموسيقى كما لو انها تمرين رائع للدماغ، خصوصًا مع التكنولوجيا. انا دائمًا احصل على برامج جديدة واجرب امكانياتها. اعتقد ان احد اروع الطرق لنكون مبدعين هو ان نتأثر بمجالات اخرى وان تكون لدينا هوايات. بعض من الصفات الرئيسية للناس الذين كتبت عنهم هي ان لديهم الكثير من الهوايات. انهم يجلسون هناك ليعملوا على مشاريعهم الرئيسية، لكن في اوقات فراغهم هم يفعلون امورًا آخرى، وتلك الاهتمامات الخارجية تلهمهم افكارًا جديدة، او سيكون هنالك اقتباس في عملهم من تلك الهوايات. الموسيقى هي احدى تلك الهوايات بالنسبة لي. وفي الواقع لقد اتممت توا ً كتابة فصل عن تأريخ الآلات الموسيقية وتكنولوجيا الموسيقى، هنالك شيء حصري لكم ايها القراء. انها المرة الاولى التي اكتب بها عن الموسيقى بشكل مباشر بدلًا من التلميح اليها وكان ذلك ممتعًا بشكل كبير. ذلك الكتاب سيصدر لاحقًا خلال هذه السنة

(1) برنامج وثائقي علمي عرض على شاشة بي بي سي سنة 1978 ثم تم تحويله الى كتاب.

(2) الإبتكار الاجتماعي: وهي الفرضيات والافكار والاستراتيجيات الجديدة التي تسعى الى ايجاد حلول حديثة ومبتكرة لاحتياجات المجتمع التي قد تبدأ من ظروف العمل والتعليم وصولًا الى تطور المجتمع والصحة.

(3) الابتكار التخريبي (Innovative Disruption): يتم اطلاق هذا الوصف على الابتكارات التي تحدث طفرة في شكل السوق والمنتجات وتغير من المجتمع جذريًا و(تخرب) الاسواق التي كانت مبنية على المنتجات القديمة. الامثلة كثيرة منها اختراع الترانسيستر الذي الغى استخدام الصمامات المفرغة، او الحاسوب الشخصي والإنترنت والهاتف وغيرها والتي خلقت اسواق جديدة ونمط حياة جديدة تختلف عن ما قبل عصر تلك الاختراعات.

 

المصدر:- هنا

عن

شاهد أيضاً

ماذا يعني تحطيم التماثيل؟

توجهنا بالسؤال إلى خبيرة تاريخ الفن التي درست تدمير التراث الثقافي.   بقلم: جوناه أنجل …

هل التحدث مع النساء الجميلات يجعل الرجال أغبياء؟

كيف يتأثر الذكاء عند التحدث وجهاً لوجه مع شريك محتمل؟ بقلم البروفيسور مادلين أي. فيوجر …